تناقلت وسائل الإعلام خبر الشاب الذي حاول إحراق نفسه بالقرب من البيت الأبيض في واشنطن، أثناء تظاهرة تضامنية مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
ومن تفاصيل ما أذاعته بعض الوكالات نفهم أن الشرطة الأمريكية أنقذت الشاب، وأنه أصيب ببعض الحروق في ذراعه، وأنه يعمل في صحيفة تنشر - على حد قوله بعد إنقاذه - أخباراً كاذبة عن حقيقة ما يتعرض له الفلسطينيون في القطاع.
وليس سراً أن الأمر لم يعد قاصراً على الفلسطينيين في غزة، ففي فترة قريبة أصبح الفلسطينيون في الضفة يتعرضون لما يتعرض له إخوانهم في القطاع ولا يزالون، وفي فترة لاحقة صار اللبنانيون يتعرضون لما تتعرض له الضفة وغزة.
وقد أدى التصعيد في لبنان إلى نزوح مئات آلاف اللبنانيين شمالاً، ومواجهتهم ظروفاً إنسانية قاسية. وتضامناً مع لبنان وشعبه، وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بإطلاق حملة إغاثية شعارها: «الإمارات معك يا لبنان».
وبالعودة إلى خبر الشاب الذي حاول إحراق نفسه، نذكّر بأن هذه ليست المرة الأولى التي يقرر فيها شاب فعل هذا الأمر، احتجاجاً على ما يراه ويتابعه، فمن قبل حاول شبان كثيرون إحراق أنفسهم في الولايات المتحدة الأمريكية وفي خارجها، وفي كل المرات لم يكن الهدف من كل المحاولات يتحقق، وهو وقف الحرب الوحشية في غزة، وكذلك وقفها في الجبهات التي امتدت إليها بعد غزة.
ولأن المحاولات كلها لم ينتج عنها شيء، أو لم تكن منتجة في الدعوى على حد قول أهل القانون، فليس من المُجدي أن يعود شبان جُدد ليكرروا الشيء نفسه، على أمل أن يؤدي تكراره إلى نتيجة مختلفة، فهذا في الحقيقة ضد منطق الأشياء.
ولا يمكن بالطبع أن ننكر أن محاولات الانتحار المتفرقة قد عبأت العالم ضد ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حق أبرياء كما لم يتعبأ من قبل.
القضية في غزة وفي غيرها من جبهات القتال الإسرائيلية اللاحقة، صارت في حاجة إلى عمل تضامني كبير من نوع الحملة التي أطلقها صاحب السمو رئيس الدولة، لأن هذه الحملات تستمد قوتها من قوة الدولة ذاتها، ولأنها - والحال كذلك - تظل ذات أثر عملي على الأرض.
وتظل ذات أثر عملي على الأرض بحكم الطاقة التي تمدها بها الدولة في حالة كحالة الحملة الإماراتية، أما أن يحاول شاب إحراق نفسه هنا أو هناك، فهذا قد يكون رسالة احتجاجية قوية لافتة، لا شك، ولكن المشكلة أن مثل هذا الشاب يمكن أن يفقد حياته، ثم لا تتوقف الحرب على القطاع، فيصبح الشاب في هذه الحالة وكأنه رجل وكّل المحامي الخطأ في قضيته، فخسر الفلوس التي دفعها له وخسر معها القضية.
وإذا كانت الإمارات أطلقت حملتها انتصاراً للبنان الذي عاش محباً للحياة وعنواناً لها، فهي حملة تحفز كل عاصمة في المنطقة وفي العالم على الاقتداء بها، ويكفي أن نعرف مثلاً أن الحرب على لبنان قد ألجأت حكومة نجيب ميقاتي في بيروت إلى تأجيل الدراسة في المدارس والجامعات إلى الرابع من نوفمبر.
ولا معنى لهذا إلا أن الدراسة التي بدأت في شتى العواصم تعطلت في لبنان، وأن الطلاب هناك يدفعون الثمن دون ذنب جناه أي طالب منهم.
الشاب الذي حاول إحراق نفسه بالقرب من البيت الأبيض، لم يلجأ إلى ذلك إلا يأساً وهو يرى العالم يتفرج على ما تقوم به إسرائيل ثم لا يفعل أي شيء، ولم يحدث من قبل أن كان العالم أو المجتمع الدولي على هذا الحال البادي من العجز. وربما تكون الحملة التي أطلقتها الإمارات بداية لأن يفيق هذا العالم، فيقلع عما يبدو عليه من عدم قدرة على وقف هذه الحرب المتمددة، ولا بد له من أن يفيق لأن الحرب بدأت بالأمس في غزة، وتمددت إلى الضفة في مرحلة من مراحلها، ثم انتقلت إلى لبنان، والله وحده أعلم بالمدى الذي يمكن أن تذهب إليه فيما بعد. الحملة التي أطلقتها الإمارات لا بديل عن أن تكون بداية.. لها ما بعدها من حملات وخطوات مماثلة على ذات الطريق، لأن العالم لا يحتمل المزيد مما نراه من قتال ونتابعه.