خليفة بن أحمد.. قائد عسكري مكافح في سبيل الحق والمجد

تحتفل مملكة البحرين في الخامس من فبراير من كل عام بذكرى تأسيس جيشها الباسل ممثلاً في «قوة دفاع البحرين» التي جاءت فكرتها بمبادرة سامية من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين القائد الأعلى للقوات المسلحة، في سنة 1968، حينما كان ولياً للعهد.

ويمثل هذا اليوم مناسبة وطنية عزيزة ذات مكانة راسخة في قلب كل مواطن بحريني، بل هو يوم للفخر والاعتزاز بهذا الصرح الوطني الشامخ، كيف لا وهو صاحب الدور الأسمى في الدفاع عن أمن الوطن وعروبته وسيادته واستقلاله وشرعيته الخليفية ومنجزاته التنموية وحياة من يعيشون على ترابه.

في السنة الجارية (2025) يكون قد مرّ على تأسيس قوة دفاع البحرين نصف قرن ونيف شهد فيه هذا الصرح الوطني تطورات كثيرة لجهة التدريب والتسليح والتأهيل والعطاء والإنجاز والتصنيع الحربي والمشاركة في عمليات الإغاثة، ما جعله عنواناً للتضحية والفداء والبسالة والإنسانية.

ولئن تحقق ذلك بفضل من الله وتوفيقه ثم بتوجيهات ورعاية ملكية سامية ومستمرة، فإن قسطاً منه يُعزى إلى جهود المشير الركن الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة القائد العام لقوة دفاع البحرين.. الشخصية القيادية الخلاقة التي أعطت البحرين الكثير ونافحت عن أمنها واستقرارها وشرعية نظامها فأحبه البحرينيون وبادلهم هو الحب مضاعفاً، بل الرجل كان منذ شبابه عوناً وظهيراً وساعداً أيمن ورفيق سلاح لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين.

ولهذا رأينا أن احتفال البحرين بالذكرى الـ57 لتأسيس جيشها هذا العام فرصة مناسبة لتوثيق سيرة قائدها العام، معتمدين بصورة رئيسة على ما ورد في كتاب «خليفة بن أحمد.. السيرة والمسيرة»، وهو مؤلف تم تدشينه في نادي الضباط بالمنامة في سنة 2017، ورصد مؤلفاه (سعيد بن عبدالله الحمد والعقيد الركن عبدالله بن سعيد الكعبي) في فصوله الستة معالم ومنعطفات من حياة المشير الخصبة والمكتنزة منذ صباه بقصص الكفاح في سبيل الحق والمجد، ناهيك عن أن الكتاب يعد مرجعاً لتاريخ البحرين العسكري في العصر الحديث.

وأتذكر هنا ما قاله صديقنا الإعلامي الراحل سعيد عبدالله الحمد، رحمه الله، في حفل تدشين الكتاب إن «خليفة بن أحمد من الشخصيات النادرة التي لا تحتاج إلى لقب أو توصيف يسبق اسمها، فقامتها في المشهد فوق هامات الألقاب والتوصيفات، وتاريخها وضع نقطة البداية لفصول لا تنتهي من مواسم البذل والإنجاز»، مضيفاً: «كل شيء محكوم بالقوانين إلا المحبة، فهي نبع طبيعي تلقائي، وهكذا محبة الناس لخليفة بن أحمد تفيض حباً لقامة وطنية تعرفونها جيداً، فخليفة بن أحمد لا ينسب مشاريع قوة دفاع البحرين إلى نفسه ولكن تأبى مشاريعها إلا انتساباً إليه».

ولد الشيخ خليفة بن أحمد بن سلمان بن خالد بن علي بن خليفة بن سلمان بن أحمد بن محمد الفاتح بمدينة المحرق في 24 فبراير من سنة 1946، ابناً ثانياً لوالده الذي انتقل في سنة 1950 مع أسرته من المحرق للإقامة في الرفاع، حيث نشأ وترعرع الشيخ خليفة، وحيث جمعته الأقدار بصداقة عمر مبكرة ورفقة سلاح مع جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المولود بعده بأربع سنوات، وتحديداً في 28 يناير من سنة 1950.

تحدث الشيخ خليفة بن أحمد عن هذه الفترة من حياته فقال ما مفاده أنه كان يلعب مع جلالته في «حوشهم» كل ما يخطر على البال من ألعاب مثل ركوب «السياكل» و«الصعقير» و«الكيرم»، وأنهما كانا يخرجان في رحلات برية مرحة للتعرف إلى الطبيعة وممارسة صيد الطيور، ثم توثقت علاقتهما أكثر فأكثر في ممارسة الهوايات المشتركة مثل ركوب الخيل والقنص والسباحة والرماية وكرة القدم والغولف والقراءة والاطلاع.

رباه والده، ذو النسب الرفيع والمقام العالي من نسل آل خليفة الكرام أصحاب المكانة العريقة في سجلات تاريخ الخليج منذ القرن الثامن عشر، تربية حازمة قوامها الالتزام بمبادئ الدين والتمسك بالعقيدة الإسلامية والأخلاق العربية الأصيلة، فنشأ كريماً عطوفاً متواضعاً وشجاعاً لا يهاب المحن.

ولعل ما أثر فيه كثيراً وغرس في داخله حب الوطن والذود عنه وهو لم يزل طفلاً صغيراً، حكاية رواها بنفسه ومفادها أنه كان مع والده في سن الثامنة على ساحل جزيرة سترة في فترة «المقيظ»، حينما تصدى الأب لمجموعة أغراب متسللين من إيران، وقام هو من جانبه بتصويب بندقيته الصغيرة نحو المتسللين لإخافتهم ريثما تأتي الشرطة للقبض عليهم. لقد انغرست تلك الحادثة بتفاصيلها في وجدانه وجعلته يقرر في تلك السن المبكرة أن يغدو جندياً في المستقبل يدافع عن وطنه ضد الأخطار وهو ما حدث بالفعل.

يقول الشيخ خليفة بن أحمد إن قرار انخراطه في الحياة العسكرية بدأ لحظة أن سأله مليكه في أحد الأيام عما سيفعله بعد الانتهاء من مرحلة الدراسة الثانوية، ويضيف: قبل أن أجيب عن السؤال كان الملك يشرح خطته ونيته في تأسيس جيش وطني بحريني، فخفق قلبي وأجبته بلا تردد «وأنا معك».

ويستطرد: «وهكذا بدأت الخطوة إلى الحلم القديم الذي ظل بداخلي وملازماً لي (العسكرية عنواني ومستقبلي ومحط تفكيري منذ الطفولة)، وكان حديث جلالته ذاك بوابة الطريق إلى تحقيق حلمي الذي ظل يسكنني سنوات وسنوات، إنها ليست صداقة ولكنها عمر وحياة ونبض».

وعليه فما إن تخرج في الثانوية في سنة 1966 حتى شرع في تحقيق حلمه القديم، فانضم إلى «الحرس الوطني» وهو التشكيل العسكري القائم آنذاك قبل تأسيس قوة الدفاع، ثم التحق بأكاديمية ساند هيرست الملكية البريطانية وتخرج فيها في 19 ديسمبر من سنة 1968 وهي السنة نفسها التي أنهى فيها جلالة الملك حمد بن عيسى علومه العسكرية في كلية مونز الحربية للضباط بمدينة «درشوت هامبشاير» وأكاديمية ساند هيرست البريطانيتين.

بعد ذلك أنهى الشيخ خليفة بن أحمد العديد من الدورات العسكرية في عدد من البلاد العربية والأجنبية، قبل أن يحصل على درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان بالمملكة المتحدة في 27 أكتوبر من سنة 1972.

ومنذ ذاك وحتى صدور أمر ملكي في السادس من يناير من سنة 2008 بتعيينه قائداً عاماً لقوة دفاع البحرين، ثم صدور أمر ملكي آخر في التاسع من فبراير من سنة 2011 بترفيعه من رتبة فريق أول ركن إلى رتبة مشير، وذلك في احتفال أقيم في قاعدة الرفاع الجوية بمناسبة يوم قوة الدفاع الثالث والأربعين وتدشين طائرات بلاك هوك (M)، تدرج الشيخ خليفة بن أحمد في مناصب ومهام عسكرية عديدة.

فقد عين مساعداً لآمر جناح المجندين بمركز تدريب قوة الدفاع بتاريخ العاشر من أبريل من سنة 1968، وفي سنة 1969 تولى قيادة طابور تخريج أول دفعة مجندين من منتسبي قوة دفاع البحرين، وفي العام نفسه تم تعيينه قائداً لسرية المشاة الأولى بكتيبة المشاة الآلية الأولى، وفي السنة التالية (1970) تولى قيادة كتيبة المشاة الآلية الأولى، ليصبح في 19 يناير من سنة 1974 رئيساً لهيئة أركان قوة دفاع البحرين بموجب أمر أميري صادر عن الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، رحمه الله.

وبعد مضي 14 عاماً على ذلك، وتحديداً في 13 مارس من سنة 1988، أصدر الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمراً أميرياً يقضي بتعيينه نائباً للقائد العام لقوة دفاع البحرين، كما أصدر رحمه الله في التاريخ نفسه أمراً آخر بتعيينه وزيراً للدفاع، ليتلو ذلك أمر من الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين في 29 يناير من سنة 2001 بترقيته إلى رتبة فريق أول ركن.

في كل هذه المناصب، بذل الشيخ خليفة بن أحمد أدواراً مختلفة ومتنوعة في تأسيس وبناء وتطوير قوة الدفاع ونقلها إلى مكانتها الحالية الرفيعة. وفي هذا السياق تحدث الرجل عن العرض العسكري الأول للقوة الذي أقيم بمنطقة الصخير في 3 فبراير من سنة 1971م، فقال: «في هذا العرض كنت قائد كتيبة المشاة الأولى برتبة نقيب، وشاركنا بثلاث سرايا مشاة وسرية إسناد.

لقد كان استعدادنا كبيراً وأجرينا الكثير من البروفات الدقيقة وتحمل جنود المشاة العبء الأكبر لأن مسافة الاستعراض التي يقطعونها كانت طويلة وهم يؤدون واجباتهم بشدة وبأس. وفي الحقيقة فإن الكل كان يعمل بجد وإخلاص متحملين المسؤولية لإنجاح أول استعراض عسكري تحت رعاية الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله».

نال الشيخ خليفة بن أحمد في مسيرته العسكرية الوضاءة العديد من الأوسمة والنوط المحلية والعربية والدولية ومنها: وسام أحمد الفاتح، ووسام الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، ووسام البحرين، ووسام تقدير الخدمة العسكرية، ووسام الواجب العسكري، ونوط تحرير دولة الكويت، ووسام الدفاع الوطني من دولة الكويت، ووسام تحرير دولة الكويت، ووسام الاستحقاق من الولايات المتحدة الأمريكية، ووسام درع الجزيرة من المملكة العربية السعودية، ونوط التعاون العسكري من دولة الإمارات العربية المتحدة، ووسام الاستحقاق من المملكة الأردنية الهاشمية، ووسام الاستحقاق من جمهورية مصر العربية، ووسام الرافدين من الجمهورية العراقية ووسام الاتحاد الدولي للرياضة العسكرية (سيزم).

للمشير خليفة بن أحمد دور خالد في تاريخ البحرين المعاصر لن ينساه البحرينيون المخلصون ما حيوا. ففي فبراير من سنة 2011 حينما واجهت البلاد فتنة كادت تمس أمن الوطن والمواطن وتشيع الفوضى وعدم الاستقرار، قام الرجل بما يمليه عليه واجبه كونه قائداً عاماً لقوة دفاع البحرين بالتصدي للمؤامرة وإحباطها، وخصوصاً مع صدور المرسوم الملكي رقم 18 لسنة 2011 بإعلان حالة السلامة الوطنية في جميع أنحاء مملكة البحرين 3 أشهر، وتكليف القائد العام لقوة الدفاع باتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية اللازمة للمحافظة على سلامة المملكة والمواطنين.

وفي مقابلة أجرتها صحيفة «الرأي» الكويتية معه بتاريخ 11 مارس من سنة 2012، تحدث المشير بشفافية عن تلك الأحداث فأوضح أن هناك أجندات خارجية لا تريد لدول الخليج العربية أن تستقر، مضيفاً: «هناك منظمات وأحزاب في الخارج تدعم هذا التوجه وتدفع أموالاً لكي تخرّب وتدمر وتغيّر نظام الحكم في البحرين ودول الخليج العربية، ونحن على دراية بهذه المنظمات والدول»، ثم شدد على أن البحرين بخير «وستظل بمشيئة الله كذلك، فهي حصن لجزيرة العرب، والحصن لا بد من تقويته بالدروع لكي لا يُخترق»، مؤكداً أنه لن يسمح كونه مسؤولاً بأن يحدث تعطيل لمصالح الناس وأعمالهم، أو إضرار باقتصاد البلاد القائم على التجارة وحركة المال والأعمال من قبل دعاة الشغب والفتنة المرتهنين للأجندات الخارجية، ومؤكداً في الوقت نفسه أن قوة الدفاع قادرة، وبمشاركة الحرس الوطني وقوات الشرطة وقوات درع الجزيرة، على بسط النظام والأمن والاستقرار في ربوع البلاد.

وفي رده على سؤال عن الأخطار المحيطة بالمنطقة والتي دعت العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، في ديسمبر من سنة 2011 إلى طرح مشروع الاتحاد الخليجي قال المشير ما مفاده أن البحرين حصن وبوابة من بوابات وحصون قلعة شبه الجزيرة العربية، وبذلك فإن الوحدة الخليجية تقوية للبحرين وبقية الحصون والبوابات الخليجية، فإذا كانت القلعة بلا حصون قوية تدافع عنها وتدافع عن الشعوب والأعراض والأموال، صارت لقمة سائغة للغير، فالوحدة طوق النجاة لنا جميعاً.