انعقدت في العاصمة الفرنسية باريس على مدى يومي الاثنين والثلاثاء فعاليات القمّة العالمية للذكاء الاصطناعي بمشاركة قادة سياسيين من كلّ أنحاء العالم بينهم نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، ونائب رئيس الوزراء الصيني، والمستشار الألماني، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إضافة إلى قادة قطاع التكنولوجيا في العالم.
وناقش المشاركون خلال هذه القمّة مجالات تدخّل هذا القطاع الذي ما انفكّت آثاره تتعاظم على اقتصاديات الدول، كما تمّ استعراض مخاطر وتداعيات هذه الثورة التكنولوجية، وذلك من خلال محاور عديدة منها الهجمات الإلكترونية والسلامة المعلوماتية.
وتأثيرات الذكاء الاصطناعي على العلوم والصحّة والاقتصاد ومستقبل العمل وبالخصوص مسألة الحوكمة العالمية للذكاء درءا للتجاوزات وسعياً للسيطرة عليها.
وتهدف أغلب الدول والحكومات التي انخرطت في هذا المشروع المستقبلي إلى وضع البنية الأساسية التحتية للعالم الرقمي الجديد، وإلى تطوير ووضع قواعد بيانات خاصة وعامة في مختلف المجالات مثل الصحة والتعليم والدفاع والبحث العلمي مع مراعاة تعزيز المزيد من الشفافية والأمان في مجال استعمالات الذكاء الاصطناعي وتقييم آثاره على المجتمع والبيئة.
وتثير الكثير من الاستعمالات والتداعيات السلبية للذكاء الاصطناعي خشية عديد الدول والفاعلين الاقتصاديين، وهو ما يدفع إلى السعي المتواصل لتنظيمه وتحديد الضوابط الأخلاقية والقيمية لهذه الثورة التكنولوجية حتّى تتجنّب البشرية شتّى الانحرافات والتوظيفات السلبية التي من المؤكّد أن تعود بالخير العميم على البشرية لو أحسن الإنسان استعمالها وتوظيفها.
وفي مسألة الذكاء الاصطناعي، لا تتساوى كما هو معلوم كلّ الدول والمجتمعات، إذ تخصّص الدول الرائدة في هذا المجال أرقاماً لافتة تصل مع الولايات المتّحدة الأمريكية إلى 500 مليار دولار، وكذلك الأمر في الصين، إذ تبلغ التوقعات 120 مليار دولار مع حلول عام 2027.
وتسعى أوروبا إلى سدّ الفجوة في الذكاء الاجتماعي التي تفصلها عن الولايات المتحدة والصين بالخصوص، وهو ما يفسّر تخصيص إمكانيات مادّية ضخمة لتطوير هذا القطاع، ناهيك أنّ فرنسا تعتزم رصد 109 مليارات يورو لتطوير بنيتها التحتية في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال مشاريع مشتركة مع جهات دولية أهمّها دولة الإمارات العربية المتّحدة، حيث أعلنت الرئاسة الفرنسية أنّ الاستثمار الإماراتي في هذا الخصوص هو ما بين 30 و50 مليار يورو.
وتواصل دولة الإمارات، ترسيخ وتثبيت مكانتها كإحدى الدول الرائدة عالمياً في هذا المجال الواعد من خلال اعتماد خطط واستراتيجيات متكاملة لتحقيق أهدافها في تعزيز منظومتها الرقمية، وقد ساعدها على ذلك وجود بنية تحتية متقدمة، وقوانين تشريعية مرنة، وسياسات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، ويتوقّع الملاحظون
أن تحتلّ دولة الإمارات المركز الثالث عالمياً بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية في أثار الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد.
وتدلّل عملية التسابق لحيازة التميّز الرقمي أنّ دول العالم تتّجه فعلياً إلى توفير أسباب استقلالية بنيتها التحتية الرقمية، وذلك لإيمانها العميق بأنّه لا مجال لوجود اقتصاد قويّ في المستقبل دون التمكّن الفعلي من ناصية هذه التكنولوجية «الغازية» لكلّ مناحي حياة الإنسان.
وإنّ الإمكانيات المادية الضخمة التي تبدو ضرورية لتحقيق ذلك، هي شرط أساسي لدخول عالم المتميّزين رقمياً، ولكنّ الإرادة السياسية للدول هي الأهمّ لأنّها الضامن الحاسم لانتقال الأحلام والأقوال إلى أفعال وحقائق، فضلاً عن أنّ ولوج علم الذكاء الاصطناعي يستوجب هو الآخر الكثير من الذكاء السياسي.