ميانمار.. ما مصيرها في عهد ترامب؟

مع بدء العهد الجديد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب زادت المخاوف في آسيا عموماً، وفي دوائر رابطة آسيان الجنوب شرق آسيوية، خصوصاً من انكفاء واشنطن عن مساعدة القوى الديمقراطية في ميانمار (بورما سابقاً) ضد الطغمة العسكرية الحاكمة في هذا البلد منذ انقلابها في عام 2021 على الحكم الديمقراطي القصير بقيادة «أون سان سو تشي»، والذي تلته حقبة جديدة من الإدانات والعقوبات الأمريكية والأوروبية والأسترالية.

صحيح أن واشنطن آنذاك تقاعست عن دعم الجماعات التي تحاول استعادة الديمقراطية هناك بالشكل المطلوب، لكن الصحيح أيضاً أن الدعم الأمريكي، رغم ضآلته، بات مهدداً اليوم، خصوصاً مع إعلان ترامب مؤخراً تجميد كافة برامج المساعدات الخارجية التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، شاملة البرامج الصحية والحقوقية والعسكرية والإعلامية وتلك المتعلقة بدمقرطة أنظمة الحكم.

وهذا، تحديداً، يثير المخاوف ويبعث برسائل سلبية لشعوب ميانمار التي مزقتها الحروب والصراعات الداخلية، بل ويبعث أيضاً رسائل سلبية لدول الجوار القلقة من تأثير ذلك على أوضاعها الداخلية. وبعبارة أخرى فإن هناك قلقاً محلياً وإقليمياً من أن وقف واشنطن لبرامجها التمويلية للمعارضة الميانمارية سوف يزيد من غطرسة المجلس العسكري الحاكم في ميانمار، وبما يضعف حتى دور رابطة آسيان، التي تضم في عضويتها ميانمار منذ عام 1997. علماً بأن آسيان تعثرت في مساعيها الرامية لإنقاذ ميانمار من مأزقها بسبب مبدأيها الأساسيين والمتمثلين في: عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأعضائها، وضرورة توفر الإجماع في ما تتخذه من قرارات، وهو ما أفشل دوماً جهودها لجهة التوسط في أي نوع ثنائي بين أعضائها.

ومن المرجح أن أي جهود جديدة من قبل «آسيان» لحل هذا الملف الشائك مصيرها الفشل، خصوصاً في ظل القيادة الحالية للرابطة التي تتولاها ماليزيا المعروفة بعلاقتها الجيدة مع الصين. وهذا بدوره يفتح المجال أمام الصين التي تدعم النظام العسكري في ميانمار بكل الوسائل وتمده بأسباب الحياة والبقاء من أجل المحافظة على نفوذها هناك وتعزيزه في مواجهة محاولات الهند الدؤوبة لإيجاد نفوذ مماثل في ميانمار المجاورة لها، بل التي كانت جزءاً منها إدارياً زمن الهيمنة الاستعمارية البريطانية. والمعروف أن الهند سعت لتأسيس موقع قدم قوي لها في ميانمار كي تحول دون حصول بعض الجماعات الهندية المتمردة على ملاذات آمنة في مناطق شمال غرب ميانمار الجبلية النائية، وبالتالي حرمانهم من تهريب الأسلحة وشن هجمات على «ما نيبوري» في شمال شرق الهند. كما أن الهند حرصت على خلق نفوذ لها هناك لأسباب اقتصادية متمثلة في الحصول بيسر على النفط والغاز والطاقة الكهرومائية.

ومن أمثلة التمدد الصيني في ميانمار، التجارة البينية النشطة عبر الحدود التي يبلغ طولها 2185 كيلومتراً، على الرغم من الحرب الأهلية، ناهيك عن خطط صينية بمليارات الدولارات لتطوير الطرق والسكك الحديدية في ميانمار ومينائها الرئيسي، ضمن مشروع الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار، وهو مشروع متفرع من «مبادرة الحزام والطريق» الصينية. أضف إلى ذلك الدور المزدوج والمعقد لبكين في هذه البلاد، والمتمثل في تزويد النظام العسكري الحاكم بمختلف أنواع الأسلحة.

وفي رأي العديد من المراقبين، فإن هذه السياسة الصينية تستهدف إبقاء ميانمار في حالة ضعف وإنهاك، لأن ذلك يسهل لبكين السيطرة عليها وممارسة سياسة العصا والجزرة المعروفة، بشكل يحقق مصالحها الاستراتيجية.

غير أن تلك السياسة الصينية لها سلبياتها، وهو ما تدركه بكين جيداً، لذا فهي تبادر إلى قطع الدعم عن الميليشيات المسلحة كلما نجحت الأخيرة في انتزاع بعض الأقاليم من سيطرة النظام العسكري الحاكم، خصوصاً إذا كانت تلك الأقاليم متاخمة للحدود الصينية، ولبكين فيها مصالح كبيرة وموانئ وخطوط لنقل النفط والغاز، وذلك كنوع من الحيطة والحذر والخوف من تدفق واسع للاجئين عبر الحدود، وحدوث قلاقل تعطل التجارة البينية الرابحة.

ولعل هذا يفسر ما حدث في أواخر ديسمبر 2024، حينما أوقف «جيش التحالف الوطني الديمقراطي» المتمرد ضد المجلس العسكري الحاكم وحليفه «جيش تحرير تانغ الوطني» تقدمهما للسيطرة على المزيد من الأراضي، بناء على ضغوط مارستها بكين عليهما.