إذن، ما مستقبل الماس الطبيعي في ظل هذا المشهد؟ يكمن السر في احتضان نقاط قوته المتأصلة فيه، إذ يتفرد الماس الطبيعي - الذي يتكون تحت ضغط هائل - بتاريخ فريد وندرة لا يمكن للماس الاصطناعي أن يحققهما، وهذه الندرة المتأصلة في الماس الطبيعي - إلى جانب قيمته العاطفية والرمزية - ستسهم بوتيرة مستمرة في استقطاب شريحة من سوق الماس في العالم، وكما يقول روديون كسونزينكو (Rodion Ksonzenko) - المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ماجنات للمجوهرات الفاخرة (Magnat Fine Jewelry) - في سياق ملاحظاته: «يرتكز مستقبل الماس الطبيعي على انعدام القدرة على تصنيعه في المختبرات وخاصةً أحجار الماس ذات الألوان الفاخرة والوزن الثقيل، ولا يقتصر استخدام هذه الأحجار الفريدة على ارتدائها لأغراض الزينة، وإنما يمكنها أيضاً أن تكون مدّخراً لقيمة هائلة في منتج بالغ الصغر، ولذا، يجب أن ينحصر تركيز الماس الطبيعي على القطع النادرة والفريدة لا على الحصة السوقية الكبيرة والأحجار الاصطناعية التي يَسهُل تصنيعها في المختبرات».
إننا أمام مفترق طرق بالغ الأهمية سيكون له بلا شك تأثير في مستقبل صناعة الماس، ولكن إبقاء التركيز بوتيرة موحدة ومستمرة على توريد الماس وشفافيته بمعايير أخلاقية سيظل ركيزة أساسية لهذه التجارة، ويبدو أن الانتقادات التي شاركها أخيراً في وسائط التواصل الاجتماعي اثنان من الرواد أصحاب المصالح في صناعة الماس وهما براد بروكس-روبن (Brad Brooks)-Rubin و وروب بيتس (Rob Bates) لعملية كيمبرلي تغض الطرف عن حقيقة أن حصة الماس المموّل للصراعات كانت تقدّر بما يصل إلى 15% من السوق العالمية قبل نظام عملية كيمبرلي؛ أمّا اليوم فهذه النسبة باتت أقل من 1%، وفي «عام الإنجازات»، نجحت عملية كيمبرلي في افتتاح أمانة سر لها في مدينة غابورون وواصلت عملها في اللجنة المتخصصة في المراجعة والإصلاح وضمَّت أوزبكستان إلى عضويتها لتكون العضو الستين، أمّا من ناحية الشفافية، فإن عملية كيمبرلي - مجدداً - هي المنظمة الوحيدة التي تتعاون في سبيل توفير حل رقمي لتتبع منشأ الماس الخام؛ وبالتأكيد، فإن توحيد مجموعة واسعة من الدول ودمج إثبات للمفهوم في شأن إصدار الشهادات الرقمية المضمونة ليسا بالمهمة السهلة، وبالتوازي مع ترقب عملية كيمبرلي لحلول «عام أفضل الممارسات»، فإنها ستواصل العمل مع كل الجهات المعنية في قطاع الماس التي تسعى إلى استمرار تقدمها المهم وإرثها العريق.
في نهاية المطاف، هناك فرصة سانحة لكل من الماس الاصطناعي والماس الطبيعي للتعايش والتنافس في آنٍ واحد معاً يلبي كل منهما احتياجات وتفضيلات لفئات مختلفة من المستهلكين؛ وعلى غرار التطور الذي شهدته صناعة اللؤلؤ، التي كان يهيمن عليها في ما مضى اللؤلؤ الطبيعي، تطور سوق اللؤلؤ المستنبَت بوتيرة بطيئة وأصبحت على الطريق لتصبح قيمتها 15 مليار دولار بحلول سنة 2032، ما يجعل اللؤلؤ الطبيعي قطعاً نادرة ينشد هواة جمع الأحجار الكريمة اقتناءها، ويمكن القول إن السيناريو ذاته يتكرر مع صناعة الزمرد الاصطناعي، الذي حقق نمواً ليصبح سوقاً تبلغ قيمته 2.64 مليار دولار في سنة 2024 بمعدل نمو سنوي مركّب بواقع 6.6%، أما من الناحية العملية، فإن المنافسة الحقيقية على الحصة السوقية في سوق مستهلكي المنتجات الفاخرة لا تحدث بين المنتجات الاصطناعية والمنتجات الطبيعية، بل بين صناعة الماس عموماً ضد الإكسسوارات والساعات الراقية.
وبعد الندوة الافتتاحية في شأن الماس الاصطناعي والتي عقدت في سنة 2023، كان الإجماع واضحاً على أن الأسواق العالمية - مثلها مثل الماس - ستواصل سلوك المسار الذي تُواجه فيه أقل العقبات، ونتيجة لذلك، فقد تكبّدت المراكز التي اصطدمت بعدة عوائق - سواء بالعقوبات أو الشركات التي تحاول السيطرة على السوق - الكثير من العناء؛ ومع أن مركز أنتويرب العالمي للماس (AWDC) أشار في تقريره إلى انخفاض في واردات الماس الخام بنسبة 38% في الأشهر التسعة الأولى من سنة 2024، فإن الانخفاض الإجمالي في واردات الماس الخام بلغ 70% على مدار العقد الماضي مع تراجع بنسبة 40% في تجارة الماس المصقول؛ ولم يسنح لصناعة الماس الطبيعي وقت مصيري للتكيف مع الطلب عوضاً عن محاولة المنافسة المباشرة بفعل سلسلة ثلاثية من العقوبات الروسية وظهور الماس الاصطناعي وتراجع الطلب؛ وبالتوازي مع الندوة الثانية في شأن الماس الاصطناعي المقرر عقدها في مركز مؤتمرات برج الماس في 30 سبتمبر 2025، أتطلع إلى توحيد صناعة الماس مجدداً ومناقشة القضايا الرئيسة التي تكتنف تلك الصناعة والدعوة أيضاً إلى تعظيم مستوى الشفافية والتعاون ليكونا آلية لاستعادة ثقة السوق.
بقلم: أحمد بن سليّم