محمد عبدالوهاب في باريس خلال رمضان

تعرّض الفنانون والمشاهير لنوادر طريفة وقصص وحكايات ومواقف محرجة عدة نشرتها الصحف والمجلات على لسانهم أو على ألسنة المقربين منهم. من هذه النوادر الطريفة ما تعرض له مطرب الملوك والأمراء وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب. فقد نشرت صحيفة «الوطن» المصرية في أحد أعدادها لسنة 2023 تفاصيل المواقف الحرجة التي وقع فيها محمد عبدالوهاب في العاصمة الفرنسية إبان تواجده فيها في إحدى السنوات، وتزامن ذلك مع حلول شهر رمضان المبارك. وملخص الحكاية، كما رواها عبدالوهاب بنفسه في حوار صحافي أجري معه في رمضان سنة 1381 هجري المصادف للعام 1962م، أنه ذهب في إحدى السنوات إلى باريس لإحياء حفل فني فحلّ عليه شهر الصيام هناك، وهو لم يتبق معه من الأموال شيئاً سوى 20 فرنكاً فرنسياً، لكن كان معه شيك استلمه مقابل الحفل، الأمر الذي أشعره بالاطمئنان، ففي الغد سيذهب إلى أحد البنوك ويصرف الشيك وسيكون لديه من النقود ما يكفيه إلى حين عودته إلى القاهرة.

مساء ذلك اليوم خلد عبدالوهاب للنوم في غرفته بالفندق الذي كان يقيم فيه، بعد أن أوصى مكتب الاستقبال بضرورة إيقاظه مبكراً كي يذهب إلى البنك، لكن ما حدث هو أن موظفي الفندق نسوا إيقاظه، وهو من جانبه تأخر في النوم ولم يستيقظ إلا والبنوك على مشارف الإغلاق. يقول عبدالوهاب إنه ارتدى ملابسه بأقصى سرعة في محاولة منه للحاق بأي بنك من البنوك لصرف الشيك قبل انتهاء دوامها، لكنه فشل فتعقدت أموره، خصوصاً وأنه كان صائماً ويمني نفسه بتناول وجبة إفطار شهية لا يملك ثمنها.

فكر الرجل طويلاً في كيفية الخروج من هذا المأزق الحرج الذي لم يسبق أن مر بمثله من قبل، فهداه تفكيره إلى البحث في مقاهي الرصيف الباريسية التي يرتادها العرب في شارع الشانزليزيه وجادة سان جيرمان عله يجد في أحدها واحداً من أصدقائه أو معارفه كي يقترض منه مبلغاً من المال إلى أن يتمكن من صرف الشيك في اليوم التالي فيرد له ما استلفه. غير أن هذه المحاولة فشلت أيضاً، وهو ما دعاه للذهاب إلى مطعم شرقي يملكه أحد معارفه المصريين بجوار جامع باريس. وهناك جلس على مائدة الإفطار وطلب الكثير من الأطعمة والوجبات المتنوعة، وراح يأكل بثقة وهو مطمئن بأن صاحب المطعم سوف يظهر ويرحب به ويخرجه من مأزقه. لكن المفاجأة التي صدمته هي أن صاحب المطعم لم يكن موجوداً.

لم ييأس عبدالوهاب، وأقنع نفسه أن غياب صاحب المطعم لن يطول. وهكذا راح يتلكأ في تناول وجبة الإفطار ويمضغ أكله ببطء، لكن انتظاره طال وكذا طال غياب صاحب المطعم، الأمر الذي لفت انتباه رواد المكان وعماله. ولما فقد الأمل نهائياً وأعيته الحيلة لم يجد مفراً من مناداة كبير الندلاء، وكان مصرياً، وروى له حكايته، وناوله معطفه وساعته كرهن حتى يصرف الشيك ويسدد قيمة وجبته. لكن لشدة دهشة عبد الوهاب، رفض كبير الندلاء استلام أي شيء من أشيائه كرهن، قائلاً: «اعتبر الحساب مدفوع». ويقال إن عبدالوهاب عاد إلى المطعم، بعد أن نجح في صرف شيكه، ليكافئ كل الندلاء.