«قانون» الإنتاجية في رمضان

أعلنت حكومات عربية عديدة خفض ساعات العمل في نهار رمضان جرياً على عادتها السنوية. فقد تم تقليص ساعات العمل بمعدل ساعتين تقريباً في معظم دول الخليج ومصر وغيرها. المفارقة أننا نسمع سنوياً عن خفض ساعات العمل، إلا أن ذلك لم يسبب خللاً جسيماً في الإنتاجية. فلم نسمع عن انهيار وزارة أو إدارة أو تجمهر مراجعين للشكوى من سـوء الخدمة. ولم نسمع أيضاً عن تدهور أداء العاملين في شركات كبرى. فما زال الجميع ينتج ولم تتعطل مصالح الناس بشكل كبير مع أن خفض الساعات يصل في بعض البلدان إلى 25 في المئة مقارنة بالأيام العادية.

ما يحدث سنوياً في رمضان وغيره هو تأثير ما يسمى بـ«قانون باركنسون». إذ يقوم على مفهوم مفاده أن أعمالنا تتوسع لتملأ الوقت المتاح لإنجازها. ولهذا يدعو المختصون في الإدارة إلى عدم المبالغة في تخصيص أوقات طويلة أو مبالغ فيها لتنفيذ المهام.

نفهم من «قانون باركنسون» أنه عندما يطلب من موظف إنجاز تقرير ما في سبعة أيام فإنه على الأرجح سوف يمضى أسبوعاً كاملاً لإنجازه وحتى لو كان بإمكانه إتمامه في غضون يومين فقط.

في الاجتماعات، كثيراً ما نقع ضحية قانون باركنسون عندما نحدد ساعة كاملة لاجتماع كان يمكن إنهاؤه في غضون نصف ساعة. ولذا يجد الجميع أنفسهم يثرثرون ويهدرون أوقات الجميع باعتبار أن شخصاً ما افترض أن الاجتماع ينتهي بعد ساعة من بدايته. المفارقة أنني، كنت - ذات يوم - في اجتماع عمل مع مسؤول أمريكي رفيع في إحدى الشركات، وبعد تبادل وجهات النظر، توصلنا إلى قرار خلال 15 دقيقة لينتهي الاجتماع سريعاً.

والأمر نفسه ينطبق على الواجبات المدرسية والبحوث العلمية، فعندما يُمنح الطالب ثلاثة أسابيع لإنجازها على الأرجح فإنه لا يبدأ بالعمل عليها سوى في الأيام الثلاثة الأخيرة. والأمر نفسه يحدث عندما نمنح مقاولاً ثمانية أشهر لإكمال مشروع بسيط، فإن عمله غالباً ما يتمدد ليشغل الثمانية أشهر وحتى لو كانت عملية إنجازه لا تستغرق سوى أربعة أشهر. وكذلك الحال في تنظيم الفعاليات والمناسبات وغيرها.

ربما من المبالغة تسميته بالقانون، إلا أن هذا هو اسمه المجازي. ولم أعثر على الأساس العلمي «للقانون» إلا أنه مستمد على ما يبدو من الملاحظة التجريبية في المنظمات الإدارية ونرى جميعاً شواهده على أرض الواقع.
ما يحدث في نهار رمضان، تطبيق عملي لقانون باركنسون، الذي يحفزنا على إنجاز المهام بكفاءة أكبر وفي وقت أقل، ما يثبت أن الإنتاجية تعتمد على استغلال الوقت، لا على عدد الساعات.

ومن حسنات ضغط الوقت أنه يولد الإبداع، ويجعلنا ننقب عن الحلول الأكثر كفاءة لتحقيق المطلوب في أقصر وقت ممكن، ولذلك نجد لاعبي كرة القدم والسلة يضعون جل طاقاتهم ومهاراتهم في الدقائق الأخيرة ليقلبوا النتيجة لصالحهم. وربما يلاحظ الكثيرون أن اليوم الأخير قبل إجازة الصيف الطويلة هو أكثر الأيام إنتاجية، لأن الشخص يسعى إلى إتمام جميع مهامه من دون إضاعة أي دقيقة، حتى ينعم بإجازة سعيدة. ولذلك وضع الوزير السعودي الراحل د. غازي القصيبي قاعدة بسيطة عندما قال: لا أذكر أنني خرجت يوماً ما من المكتب وعليه ورقة لم أوقعها، في إشارة إلى أنه لا يؤجل عمل اليوم إلى الغد أبداً.

إن خفض ساعات العمل في نهار رمضان، لا يعني بالضرورة تقليل الإنتاجية، بل قد يحسن الإنتاجية إذا ما أُحسن استغلال الوقت، وهو ما يثبت واقعية ما يسمى «بقانون» باركنسون.