Al Bayan
today-time17 رمضان 1446 هـ ، 17 مارس 2025 م
prayer-time

قصة بزوغ وأفول «الثلاثي المرح»

شهدت الساحة الفنية في مصر في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وتحديداً منذ عام 1958، نمطاً جديداً من الغناء الجميل المرح، تزعمته ثلاث فتيات من ذوات الأصوات الجميلة من خريجات معهد الموسيقى العربية، وهن: وفاء محمد مصطفى وصفاء يوسف لطفي وسناء الباروني (شقيقة الممثلة سهير الباروني نجمة فيلم أيام وليالي مع إيمان وعبدالحليم حافظ)، اللاتي قمن بتكوين فرقة غنائية مشتركة، اختار لها الملحن علي إسماعيل اسم «الثلاثي المرح». كان ذلك بعد ظهورهن في برامج الهواة من الإذاعة المصرية، وقيامهن لفترة قصيرة بالغناء في حديقة معهد الموسيقى العربية، علماً بأن الفرقة بدأت بسناء وصفاء، ثم انضمت لهما وفاء لاحقاً.

وسرعان ما حققت الفرقة شهرة مدوية، خصوصاً بعدما توالت أغانيها الخفيفة الجميلة، ومشاركاتها في حفلات «أضواء المدينة» القاهرية في الستينيات، وانضمامها إلى فرقة رضا الاستعراضية لتقديم لوحات غنائية، ناهيك عن قيام أشهر ملحني تلك المرحلة بالتلحين لها، من أمثال: علي إسماعيل وسيد مكاوي ومحمد الموجي وحلمي بكر وعبدالعظيم محمد وحلمي أمين ومنير مراد وأحمد صدقي وعبدالعظيم عبد الحق، علاوة على الموسيقار محمد عبدالوهاب، الذي دعا الفتيات الثلاث للمشاركة بالغناء في مقطوعته الموسيقية «المماليك».

انجذبت الجماهير المصرية لأعمال «الثلاثي المرح» المتنوعة، التي اشتملت على أغانٍ عاطفية ووطنية ودينية وريفية وأسرية، ومنها ما اختصت بالمناسبات، مثل عيدي الفطر والأضحى ورمضان وعيد الأم وعيد الإذاعة المصرية وعيد ثورة يوليو وعيد الوحدة المصرية السورية، وذكرى بناء السد العالي وغيرها.

كما ذاع صيت الفرقة خارج القطر المصري، بدليل سفرها إلى العراق لتقديم حفلات غنائية، بل وغناء أغنية باللهجة العراقية (أغنية أسعد يوم)، من تلحين المطرب والملحن العراقي رضا علي. كما أنها سافرت إلى لبنان، حيث سجلت في استوديوهات بيروت أغاني من التراث الليبي، مثل: «يا العنب»، و«يا صغير في صغارنا»، و«تعال يابونا». وفي نهايات الستينيات، سافرت إلى الأردن لتقديم حفلة خاصة، تمّ تسجيلها في استوديوهات التلفزيون الأردني.

وبسبب شهرة الفرقة، وانتشار أغانيها، لا سيما بعد أن قدمت أغاني مثل: «حلاوة شمسنا»، «العتبة جزاز»، «ما انتاش خيالي يا وله»، «يا أسمر يا سكر»، «افرحوا يا بنات»، «هلّ هلال الصوم»، «البحر بيضحك ليه»، «حمادة حمادة»، «جانا 3 عرسان»، «إحنا الثلاثة أطبا القلب»، «لما تروق تلقى الدنيا ورد»، «كل ما تكبر تحلو أكثر»، «يا ولاد بلدنا»، «وحياتك يا بابا ودينا القناطر»، «تعيشي يا مصر»، وأغنية «أهو جه يا اولاد» الرمضانية الشهيرة (من كلمات نبيلة قنديل وألحان علي إسماعيل)، قام مخرجو ومنتجو الأفلام السينمائية باستثمار شهرتها في أعمالهم، حيث شاركت وفاء وصفاء وسناء بالغناء والتمثيل في سبعة أفلام من أفلام الستينيات وهي: «يوم من عمري»، «الخرساء»، «شفيقة القبطية»، «الراهبة»، «الحلوة عزيزة»، «غرام في الكرنك»، إضافة إلى فيلم «صغيرة على الحب»، الذي قدمن في مقدمته أغنية «التلفزيون» لسعاد حسني.

ظلت الفرقة متصدرة المشهد لسنوات، محققة نجاحات لافتة لم تحققها فرق أخرى للغناء الجماعي، إلى أن قررت الفتيات الثلاث الاعتزال في حدود عام 1967، وهن في قمة تألقهن ومجدهن، بسبب الزواج والانصراف إلى الشؤون الأسرية، حيث اتجهت وفاء للعمل بتدريس الموسيقى، ثم سافرت إلى الكويت للعمل هناك، وتزوجت سناء من الملحن أحمد فؤاد حسن، واقترنت صفاء بالمخرج سامي أبو النور.

وبهذا انفرط عقد الفرقة، وانقطعت أخبار مطرباتها الثلاث، لكن قيل إن الصداقة والتواصل بقي قائماً بينهن. ومن بعد أفول «الثلاثي المرح»، لم تتكرر الظاهرة إلى اليوم، وفي يقيني أنها لو تكررت، فلن تحقق نفس النجاح والانتشار، بسبب اختلاف الزمن وتغير الأذواق، ورحيل العمالقة من الملحنين، وكتاب الكلمة الحلوة.