في الزمن المصري الجميل، حينما كانت علاقات الفنانين متميزة بالألفة والمحبة والتعاون والإيثار، وهو ما لم يعد موجوداً اليوم إلا نادراً، اعتاد نجوم الفن في مصر تناول طعام الإفطار والسهر خلال شهر رمضان جماعياً في منزل أحدهم، فتشكلت مجموعات لكل منها ولائمها وسهراتها الخاصة، وأفرادها ممن تجمعهم الهوايات والطقوس والآراء الفنية المتشابهة. وقد أفردت مجلة «الكواكب» المصرية العريقة، المتخصصة في أخبار السينما والغناء ونجومها، صفحات أحد أعدادها سنة 1958 للحديث عن تلك المجموعات وأفرادها.
بحسب المجلة، كانت مجموعة الموسيقار الكبير فريد الأطرش هي الأبرز والأكثر نشاطاً وكرماً وحرصاً على إقامة موائد الشهر الفضيل يومياً داخل منزل الأطرش وتحت إشرافه. وبطبيعة الحال لم يكن ذلك بمستغرب لأن الأطرش كان معروفاً في الوسط الفني بالجود والكرم الحاتمي، بل كان بيته مفتوحاً على الدوام لأصدقائه وزملائه، سواء كان متواجداً أو غائباً، مع تعليمات مشددة منه لخادمه باستقبال ضيوفه على أكمل وجه والترحيب بهم وتقديم قهوتهم المفضلة والانحناء لهم ثلاث مرات. علاوة على ذلك كان الموسيقار الراحل كريماً في أخلاقه ومودته لزملائه والتفاني في خدمتهم.
ولهذا كله، كانت مجموعته تتوسع عدداً، ويلتحق بها كل رمضان فنانون آخرون لتناول الطعام والسهر وتبادل الأحاديث والفرفشة حتى منتصف الليل، وأحياناً كان الجمع ينتقل بقيادة الأطرش إلى أماكن أخرى داخل القاهرة من تلك المعروفة بأجوائها الرمضانية المتميزة. ويمكن القول إن مجموعة الأطرش تميزت بطقوس أخرى غير الأكل على مائدته، ومنها استخدام المضيف موهبته الموسيقية الفذة في إمتاع ضيوفه غناء وعزفاً على العود.
إذ كان حريصاً على أن يغني لضيوفه خلال سهرتهم الرمضانية بعضاً من أغانيه الجميلة، ولا سيما أغنيته الدينية المعروفة «هلت ليالي حلوة وهنية» التي كتب كلماتها بيرم التونسي، وغناها الأطرش من ألحانه على مقامات الراست والبياتي والحجاز، لأول مرة على مسرح قصر النيل في 12 أبريل من عام 1956، كهدية لجمهوره بمناسبة حلول شهر رمضان في تلك السنة، علماً بأن هذه الأغنية جاءت مختلفة عن بقية الأغاني التي تناولت رمضان، لأن صاحبها ركز فيها على ليلة القدر وفضلها.
ضيوف الأطرش الأساسيون والدائمون كانوا صديقه عبدالسلام النابلسي والفنانة إيمان (زوجة شقيقه فؤاد الأطرش)، وصديقة عمره الفنانة شادية، والممثلة كريمة والموسيقار محمد فوزي. أما قائمة الأسماء التي كانت تحضر أحياناً وتغيب في أحايين أخرى فقد اشتملت على مريم فخر الدين وزوجها محمود ذو الفقار، والنجمة السمراء مديحة يسري وبعض المخرجين الذين عمل معهم الأطرش.
ونشرت صحيفة «اليوم السابع» القاهرية في مايو 2021 نقلاً عن عدد من أعداد مجلة «الكواكب» في عام 1957، أن الأطرش دعا زملاءه إلى تناول إفطار رمضان معه بمنزله، فكان من بين الملبين للدعوة شادية ومحمد فوزي ومديحة يسري وهند رستم وليلى فوزي والمخرج حلمي رفلة ومريم فخر الدين ومحمود ذو الفقار.
فجلس المضيف وضيوفه قبل الإفطار في شرفة المنزل المطل على النيل يتبادلون الأحاديث حول أدوارهم السينمائية، وحول طريقة التدخين في الأفلام، التي لم يكن الأطرش يجيدها لأنه لم يكن مدخناً، فغاصوا في أحاديثهم بعيداً من دون أن يتنبه أحد منهم إلى صوت مدفع الإفطار سوى مديحة يسري التي قالت لهم ساخرة: «ما تتفضلوا تفطروا عندنا أحسن». وهنا نهض الأطرش وأمسك بإناء كبير مملوء بشراب قمر الدين، وأصر أن يشرب كل واحد من المدعوين كوباً منه، قبل الإقبال على الطعام.