رمضان في عيون الكتب العربية.. من التراث إلى المعاصرة "2"

يظل شهر رمضان أحد المواضيع التي ألهمت الأدباء والمفكرين العرب والعالميين، حيث لم يقتصر ذكره على الجانب الديني والفقهي، بل امتد ليشمل التأمل الفلسفي، والرصد الاجتماعي، والتأثير الثقافي.

رمضان في أدب الجاحظ وابن خلدون والغزالي

صوّر الجاحظ في «البخلاء» بأسلوبه الساخر، كيف يستغل بعض البخلاء الصيام للحد من نفقاتهم، بل وحتى تأخير الإفطار ليتجنبوا وجبتين بدلاً من واحدة. أما ابن خلدون، فقد ناقش تأثير الصيام على المجتمع والعمران، معتبراً أنه يعزز المساواة بين الأغنياء والفقراء ويؤثر في إيقاع الحياة الاقتصادية والاجتماعية. بينما ركّز أبو حامد الغزالي في «إحياء علوم الدين» على البعد الروحي للصيام، وقسّمه إلى مستويات ثلاثة. معتبراً أن الصيام الحقيقي هو الذي يُطهّر القلب قبل أن يُفرغ المعدة.

رمضان في الأدب والشعر

في روايات نجيب محفوظ، يشكل رمضان خلفية اجتماعية وحضارية تتفاعل فيها الشخصيات بين التديّن والتقاليد الشعبية، كما في «خان الخليلي» و«زقاق المدق». أما توفيق الحكيم، فقد ناقش كيف يتحول رمضان من عبادة روحانية إلى طقس اجتماعي، حيث تغلب العادات على الجوهر الديني. وفي الشعر، أبدع أحمد شوقي في تصوير رمضان كمدرسة أخلاقية، حيث قال: (أنت مهد الشهور والحسن والإشـراق مهد الوجود منذ صباكا). كما قال المتنبي في الشهر المبارك: (الصَومُ وَالفِطرُ وَالأَعيادُ وَالعَصرُ --- مُنيرَةٌ بِكَ حَتّى الشَمسُ وَالقَمَرُ)، بينما كان محمود درويش يستعيده كزمن للهوية والحنين في المنافي.

رمضان في كتابات المستشرقين

اهتم الرحالة والمستشرقون بتوثيق أجواء رمضان، حيث وصف إدوارد لين تفاصيل رمضان في مصر القرن التاسع عشر. مشيداً بروح التكافل، حيث يصبح الناس أكثر تسامحاً وسخاء خلال رمضان وتكثر موائد الإفطار المجانية للفقراء كما يتجنب الناس النزاعات احتراماً للشهر الفضيل. بينما رأى غوستاف لوبون أن رمضان ليس مجرد صيام، بل منظومة اجتماعية توحّد المسلمين وتغرس فيهم الانضباط الذاتي. ولم يكن غوستاف متحيزاً في تحليله، ولكن نظر إلى رمضان كرمز ثقافي واجتماعي كان ولا يزال له تأثير عميق على المسلمين.

وبين الكتب التراثية والأعمال الحديثة، يبقى رمضان أكثر من مجرد شهر ديني. فهو مرآة للهوية الثقافية والاجتماعية التي تتجدد مع الزمن، ويظل مصدر إلهام للفكر والأدب العربي والعالمي. أعاده الله علينا وعليكم أعواماً كثيرة.