الأسئلة، وعلى مر الزمن، ومن أبسط التساؤلات إلى التحديات الفلسفية المعقدة، تلعب دوراً محورياً في حياة البشر. فهي القوة الدافعة لإثارة الفضول، وتحفيز الابتكار لقدرتها على تحدي الافتراضات، وتعزيز التعلم وإلهام الحوار، سعياً لتغذية الفكر لحل المعضلات، وكشف ما يكتنفها من الغموض الذي لا يتحمله العقل البشري. إلا أن الأسئلة تختلف بناءً على مدى إدراك السائل ووعيه بحقيقة الموضوع المسؤول عنه، فكلما كان الشخص مُلمّاً أكثر بحيثيات ما سيسأل عنه، كانت جودة السؤال أفضل، وبالتالي، حصل على جواب قيّمٍ يتوافق مع مستوى وجودة السؤال.
وحتى على المستوى الشخصي، نموك يعتمد كلياً على جودة ووضوح ودقة الأسئلة التي تطرحها على نفسك، عن قيمك وأهدافك الشخصية من جهة، وعن العلاقات العائلية من جهة أخرى، فالأسئلة الصحيحة تبني الشخصية المرغوبة، وتزيد في عمق العلاقات الاجتماعية للفرد، والعكس صحيح.
وللتقريب، سأذكر سؤالين يتبادران أو يتبادر أحدهما على ذهن الشخص المهتم بمستقبله، السؤال الأول: ماذا أريد أن أكون في المستقبل؟ السؤال الثاني: أي أثر أود أن أتركه في الحياة؟ قد يبدوان في الوهلة الأولى متشابهين، فكلاهما عن مستقبل الشخص، إلا أنهما مختلفان في الجودة، وينمان عن مستوى فهم الشخص للحياة.
وإذا ما أمعنا النظر في الأوساط العلمية، ولأهمية السؤال في العلم والتعلّم، نجد أن هناك معايير خاصة للأسئلة المحفزة للأبحاث، ويشترط أن يكون السؤال حاضراً ومحسوساً وملموساً طوال البحث، بل وموجهاً ومحدداً لخطوات البحث. ونقرأ بين الفينة والأخرى، عن باحِثين من قُطرين مختلفين، وليس بينهما معرفة، وكانا يجريان نفس البحث، وتوصلا إلى نفس الملاحظات والنتائج، إلا أن أحدهما تساءل بذكاء عن ملاحظة معينة، ليتوصل لاكتشاف علمي مدهش، ليترك من خلاله بصمته في الحياة.
بعد هذه المقدمة عن السؤال وأهميته في حياتنا، دعوني أشارككم هذه القصة، التي تبين مدى أهمية السؤال في حياتنا، من خلال تحديد سلوكياتنا التي تعكس قيمنا، ونحاسب عليها في هذه الحياة، وفي الحياة الأخرى أيضاً.
إليكم القصة: في نهاية كل أسبوع، حينما أصطحب ابنتي من الجامعة إلى المنزل، وبعد التحية وربط حزام الأمان، تطرح سؤالاً بسيطاً، وكنت أجيب بكل بساطة، ومع تكرار السؤال، بدأت أنتبه إلى عمق وأهمية ذلك السؤال، السؤال وبكل بساطة: «ماذا فعلتم في غيابي؟»، والجواب، وبكل بساطة، كان يدور حول الأعمال الروتينية، كالذهاب للعمل، وزيارة الأهل، والجمعيات التعاونية وهكذا.
بعد أكثر من عام من الإجابة عن هذا السؤال البسيط، وجدت نفسي أقتصر فقط على أهم الأشياء، سواءً التي قمت بها أنا أو والدتها أو إخوتها. مؤخراً، وجدت نفسي أفهم السؤال، وكأنه يتعلق فقط بأعمال وإنجازات مميزة، وبدأت أذكر فقط ما كنت أراه عملاً مميزاً، إلى أن بلغنا اليوم الموعود، ووقعت الواقعة، ووجدت نفسي أخرس ولا أجد جواباً.
أعدت شريط الأسبوع مرة بعد مرة، لعلي أجد شيئاً مميزاً، ولكن... هل هذا يُعقل؟ أسبوع كامل ولم أفعل فيه شيئاً يستحق الذكر! بعد ذلك، أصبحت أخطط للأسبوع، بحيث يجب أن يحتوي حدثاً أو فعلاً يستحق الذكر، وأصبحت أحاسب نفسي قبل أي عمل، هل يمكنني أداؤه بطريقة مميزة؟.
مؤخراً، وأنا أخطط بحرص شديد لليوم التالي، تذكرت أمراً مهماً، وأردت أن أشارككم، حباً فيكم. تذكرت سؤالاً أخبرنا عنه الرسول ﷺ، في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي: «لا تَزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ، حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه؛ فيمَ أفناه؟ وعن عِلْمِه؛ فيم فعَلَ فيه؟ وعن مالِه؛ من أين اكتسَبَه؟ وفيم أنفَقَه؟ وعن جِسمِه؛ فيمَ أبلاه؟».
لماذا لا نستعد لهذه الأسئلة؟ لماذا لا نريد أن نكون مميزين في إجابتنا لهذه الأسئلة؟ يا ترى، كيف ستكون سلوكياتنا وجودة وحجم إنتاجنا، لو أردنا أن نتميز هناك؟.
أخي القارئ، أما آن لنا أن نفكر بجدية في أفعالنا وأقوالنا، ومدى جودتها، وأثرها فينا وفي المجتمع؟ لتتميز في الإنتاج، وبالتالي، في الإجابة هنا وهناك.