إحدى أهم نتائج العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والآن على الضفة الغربية ولبنان أنه كشف وأكد ازدواج المعايير الغربية وزيف كثير من الشعارات التي ترفعها بعض الدول الغربية فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان والمساواة.
الاستنتاج السابق يتعزز كل يوم منذ السابع من أكتوبر عام 2023، وآخر دلائل هذا الاستنتاج ما كشفته صحيفة «الغارديان» البريطانية مؤخراً، بأن العديد من الطلاب الذين شاركوا في الاحتجاجات ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي يواجهون مشاكل أكاديمية وقانونية كثيرة، ما قد يحرمهم من التركيز على التحصيل العلمي.
طبقاً للبيانات والتقارير الصحفية الأمريكية فإنه تم القبض على واعتقال أكثر من ثلاثة آلاف طالب من بين آلاف آخرين احتجوا على العدوان الإسرائيلي في الجامعات الأمريكية العامة والخاصة، ورغم إطلاق سراح كثيرين فإن هناك عدداً كبيراً من هؤلاء الطلاب يواجهون عواقب سواء من جامعاتهم أو أمام سلطات القانون.
«الغارديان» استشهدت بمثال لطالب يدعى كريج بيركهيد مورتون، طالب الدراسات العليا في جامعة كولومبيا العريقة وخريج جامعة ييل، الذي يتنقل بين منزله الجديد في نيويورك ومنطقة نيوهيفن في كونيتكت، لمواجهة الإجراءات القانونية في المحكمة العليا.
هو اجتاز كل إجراءات العملية التأديبية الأكاديمية، لكنه لا يزال يواجه مشاكل بشأن التهم القانونية، لكن خلافاً لنموذج مورتون فإن بعض طلاب جامعة كولومبيا قالوا إنهم ورغم إسقاط التهم من قبل المدعي العام في مانهاتن، فإنهم لا يزالون يواجهون إجراءات تأديبية من قبل إدارة الجامعة.
هل تعني هذه الإجراءات التأديبية سواء كانت أكاديمية أو قانونية أن عملية الاحتجاجات سوف تتوقف تماماً مع العودة للدراسة؟
الطلاب والناشطون المؤيدون لفلسطين والمعارضون للهجوم الإسرائيلي يقولون إنهم سيواصلون الاحتجاجات وتقديم دروس تعليمية من خلال الإنترنت للتدريب على كيفية التنظيم بهدف إنشاء حركة تظاهر جماعية أكثر توحداً واستعداداً.
نعود إلى ما بدأنا به، ونؤكد أن ما شهدته الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية قد ضرب في الصميم معظم ما تنادي به هذه البلدان من إيمانها بحرية الرأي والتعددية والمساواة وحقوق الإنسان.
الولايات المتحدة تنصح غالبية بلدان العالم وتعظها بأهمية الحريات والمساواة، لكن مع تداعيات الهجوم الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي حتى الآن، فقد سقطت كل هذه الشعارات حينما تعلق الأمر بإسرائيل.
لا ينكر أي منصف أو مراقب موضوعي أن الولايات المتحدة تتمتع بنظام سياسي واقتصادي واجتماعي متميز، لدرجة أنه يجعل عدداً كبيراً من شباب العالم يطمحون للهجرة إليها بحثاً عن إنجاز وتفوق في «أرض الفرص»، ولا ينكر هؤلاء أيضاً أن النظام السياسي الأمريكي نجح إلى حد كبير مقارنة بأنظمة عدد كبير من دول العالم، كما حدث مثلاً حينما انهار الاتحاد السوفييتي السابق أوائل التسعينات من القرن الماضي.
لكن معظم هذه المزايا تراجعت بعض الشيء في عيون كثير من سكان العالم خصوصاً الشباب، وهم يرون أجهزة الأمن الأمريكي وإدارات الجامعات الكبرى تعتقل وتقيد حرية الطلاب الذين مارسوا حقهم الطبيعي في الاحتجاج على المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين واللبنانيين.
ما قبل هذه الاحتجاجات كان اعتقاد وإيمان كثيرين بأنه يحق لأي شخص أن يعترض ويحتج على أي شيء في الولايات المتحدة، لكن ثبت أن الأمر يختلف تماماً حينما يمس إسرائيل.
كبرى الجامعات الأمريكية العريقة مثل كولومبيا وهارفارد وييل سقطت في امتحانات الحريات وحقوق الإنسان، اكتشفنا في الشهور الأخيرة أن كبار ممولي الجامعات الأمريكية هم الذين يتحكمون في إدارتها وعملها وحريتها.
هؤلاء هددوا بقطع التبرعات عن هذه الجامعات إذا لم تتخذ إجراءات عقابية ضد الطلاب المعارضين لإسرائيل.
وهكذا فإن هذه الجامعات اختارت التمويل على حساب حرية طلابها.
اكتشفنا أيضاً أن هذه الجامعات وطبقاً لتقرير «الغارديان» سوف تستمر في مضايقة ومطاردة أي طالب يفكر في تكرار الاحتجاجات في العام الدراسي الجديد، كي توصل رسالة واضحة بأنها لن تتسامح معهم.
بعد كل ما حدث من تداعيات نتيجة لهذه الاحتجاجات فإنه لن يكون بمقدور الولايات المتحدة أن تعطي الآخرين دروساً في حرية الرأي وحقوق الإنسان، لأن ما حدث أثبت أن الولايات المتحدة لا تؤمن بالمساواة حينما يتعلق الأمر بإسرائيل.
وهكذا وبدلاً من أن تبرهن حكومة الولايات المتحدة على إيمانها العميق والراسخ بالحريات وحقوق الإنسان، فإنها قدمت خدمة عظيمة لكل قوى الفوضى والتطرف في كل مكان، بأن معظم ما كانت ترفعه من شعارات ثبت أنه لا يعمل حينما يتعلق بإسرائيل.