يُعد التفرغ الإبداعي أحد المحاور الأساسية التي تدعم استمرارية الإنتاج الثقافي والفني في أي مجتمع. ويقصد به منح الفنان فترة زمنية مدفوعة أو مدعومة مالياً، بعيداً عن الالتزامات الوظيفية، لإنجاز مشروع فني أو أدبي محدد. إلا أن تنظيم هذا التفرغ يختلف من بلد إلى آخر، ويتراوح بين التشريع الرسمي، أو المبادرات الفردية، أو الغياب الكامل لأي إطار قانوني.
في دولة الإمارات، لا يوجد حتى الآن قانون اتحادي يُنظّم تفرغ الفنانين بشكل دائم، لكن ظهرت مبادرات محلية مهمة، أبرزها «البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع» التابع لوزارة الثقافة، والذي يتيح للمبدعين تقديم مشاريعهم للحصول على منحة مالية وفترة تفرغ مؤقتة. من الأمثلة الناجحة، الفنان المسرحي مرعي الحليان الذي استفاد من هذا البرنامج لإنجاز عمل توثيقي حول تطور المسرح الإماراتي. كما تقدم هيئة دبي للثقافة والفنون ودائرة الثقافة في الشارقة فرصاً لدعم الفنانين، لكنها لا تدخل ضمن إطار تشريعي مستمر.
في الدول العربية، تختلف التجارب. فمصر توفر من خلال «صندوق التنمية الثقافية» دعماً لبعض المشاريع، في حين تعتمد تونس ولبنان على شراكات مع مؤسسات مستقلة ومبادرات دولية، تعاني أحياناً من ضعف الاستمرارية.
أما دول العالم، فتقدّم نماذج متقدمة وملهمة. ففي ألمانيا، يحصل الفنانون على دعم مالي وتأمين اجتماعي ضمن نظام الفنانين المستقلين، وفي أستراليا، توفر «مجالس الفنون» منحاً متعددة تصل أحياناً إلى عام كامل من التفرغ، أما في الدول الإسكندنافية، فتُعد الفنون جزءاً من نظام الرفاه الاجتماعي، حيث يحصل الفنانون على دخل ثابت وتأمين صحي. روسيا تقدم عبر وزارة الثقافة برامج تفرغ للفنانين المرتبطين بالمؤسسات الرسمية، بينما تعتمد كوريا الجنوبية على مزيج من التمويل الحكومي والشراكات الخاصة لدعم مشاريع التفرغ الثقافي والفني.
ختاماً، تبرز الحاجة في الإمارات والدول العربية إلى تشريع واضح ودائم ينظم تفرغ الفنانين، بما يعزز الاستدامة الثقافية والاقتصاد الإبداعي ويحفظ كرامة الفنان كعنصر محوري في نهضة المجتمع.