الإمارات و«بريكس».. تنويع الشركاء وتعزيز الازدهار

شكلت القمة الـ16 لقادة دول مجموعة «بريكس» التي استضافتها مدينة قازان الروسية من 22 أكتوبر الحالي وتنتهي اليوم، محطة مهمة في مسار هذا التكتل، ليس فقط لأنها القمة الأولى التي تنعقد بعد انضمام الدول الخمس الأعضاء الجدد، ومن بينهم دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن ما بات يعرف باسم «بريكس بلس»، أو بسبب مشاركة ممثلي نحو 32 دولة من بينهم 24 رئيساً، وإنما أيضاً بسبب الظروف التي عقدت في ظلها والقضايا التي طُرحت على أجندة الأعمال، ولاسيما ملفي الحرب في أوكرانيا والحرب في غزة ولبنان، إلى جانب القضايا المتعلقة بالتحركات الرامية لتعزيز قوة تكتل «بريكس» ضمن الجهود الهادفة لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب أكثر عدلاً واستقراراً.

ولعل أهم ما ميز هذه القمة هو المشاركة الفاعلة لدولة الإمارات فيها بوفد رفيع المستوى ترأسه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حيث استحوذت زيارة سموه وتصريحاته ولقاءاته خلال القمة على اهتمام واسع من وسائل الإعلام الدولية، فيما حظي سموه بترحيب خاص من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك في تجسيد واضح لمكانة وأهمية دولة الإمارات وثقلها الدولي، وما تتمتع به قيادتها الرشيدة من احترام وتقدير دوليين كبيرين.

لا شك في أن انضمام الإمارات لـ«بريكس» سيخدم مصلحة الطرفين، فمن ناحية سيستفيد هذا التكتل الصاعد من الإمكانات الكبيرة لدولة الإمارات، التي ستضيف نحو نصف تريليون درهم لإجمالي الناتج المحلي الإجمالي لدول التكتل، كما ستعزز من قوة التكتل في مجال الطاقة التقليدية والمتجددة، والذي سيستفيد أيضاً من الانفتاح الاقتصادي الكبير للاقتصاد الإماراتي على الاقتصاد العالمي، واستثماراتها الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.

وعلى المستوى الجيوسياسي سيستفيد التكتل من الدور الإماراتي المتنامي على مستوى العالم، وقدرتها على إدارة العديد من أزمات العالم بصورة حكيمة وفاعلة، وفي مقدمة هذه الأزمات الحرب في أوكرانيا، والتي أثبتت الإمارات أنها بالفعل أكثر الدول التي تستطيع قيادة وساطة ناجحة لإنهاء ملف هذه الحرب بعد النجاحات التي حققتها في إبرام العديد من صفقات تبادل الأسرى بين الروس والأوكرانيين، بفضل ما تتمتع به من كفاءة دبلوماسية ومرونة سياسية عالية وتقدير على المستوى الدولي.

في المقابل ستستفيد الإمارات من خطوة انضمامها لهذا التكتل؛ إذ تسعى الدولة من خلال عضويتها في هذا التكتل، إلى توسيع نطاق تأثيرها الاقتصادي وتعزيز مكانتها كدولة ذات قوة اقتصادية ناعمة عالمياً، كما أن انخراط الدولة ضمن تكتل «بريكس» يعكس طموحها لأن تكون جزءاً من النظام الاقتصادي المتعدد الأقطاب، وتوسيع دورها كشريك موثوق به في المشهد الاقتصادي الدولي، علاوة على ذلك سيكون تواجد الإمارات كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي في مجموعة «بريكس» له تأثير إيجابي على دول المجموعة وعلى الدولة خاصة بالنظر إلى طموحات هذه الدول في اللحاق بركب هذه التكنولوجيا.

كما ستستفيد الإمارات من الإمكانات الاقتصادية الكبيرة للتكتل، سواء كسوق ضخم للصادرات الإماراتية، أو كوجهة لجذب الاستثمارات بالنظر إلى بيئة الاستثمار المتطورة وسهولة الإجراءات الإدارية والتشجيعات الحكومية.

فمع انضمام الدول الجديدة للتكتل، أصبحت المجموعة تمثل نحو 45% من سكان العالم، و25% من الحجم الكلي للصادرات العالمية، ويشكل الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء مجتمعة نحو 29% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتستحوذ على أكثر من 16% من حجم التجارة العالمية، وتمتد أراضي دولها على 40% من مساحة الكرة الأرضية، وهذه الإمكانيات الكبيرة توفر فرصاً ضخمة لنمو الاقتصاد الإماراتي.

غير أن النقطة المهمة هنا هي أن زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، لروسيا ومشاركته في أعمال هذه القمة بفاعلية، جاءت بعد أسابيع قليلة من زيارة سموه لواشنطن، والتي تم تتويجها بإعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن، الإمارات شريكاً رئيسياً للولايات المتحدة. ويعني هذا ببساطة أن دولة الإمارات تبني علاقات متوازنة وقوية مع مختلف الشركاء الدوليين، ولا تنضم لتكتلات ضد هذا الطرف أو ذاك، وإنما لمصلحة الازدهار الإقليمي والعالمي، وذلك بالفعل ما يكسبها احترام وتقدير العالم كله.