الكفاءات الوطنية مطلب ومسؤولية

يرتبط بناء الأمم وتقدمها بقواها البشرية، وكفاءاتها الوطنية، القادرة على تحمل المسؤولية، والمساهمة الفاعلة في رفعة الوطن وازدهاره، والتحلي بروح الإبداع والابتكار والتطوير في مختلف القطاعات والمجالات، وتحويل الرؤى والطموحات إلى نتائج مثمرة، وإنجازات مبهرة، وخاصة من قبل فئة الشباب والشابات، الذين هم عمود الأوطان وعمادها.

فالكفاءات الوطنية هي الثروة الحقيقية، التي تعول عليها المجتمعات، وتستثمرها للارتقاء بحاضرها وبناء مستقبلها، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله: «بناء الكفاءات الوطنية ذات المهارات والقدرات المتقدمة تدريباً وتعليماً هو مطلب مُلح».

إن بناء الكفاءات الوطنية يتطلب تضافر الجهود، ابتداء من الأسرة التي هي نواة المجتمع، بتشجيع الأبناء والبنات وتحفيزهم المستمر على التعلم والاستفادة، واستثمار أوقاتهم وطاقاتهم وصقل شخصياتهم، وغرس التطلع في نفوسهم لخدمة وطنهم ونفع مجتمعهم.

ورفع رايته في شتى المجالات والمحافل، وتمكينهم من التزود بكل ما يعينهم على ذلك من المقومات، فيترعرعون منذ صغرهم على حب خدمة الوطن وتنميته، ويجتهدون في اكتساب العلوم والمعارف والمهارات، التي تمكنهم من تحقيق هدفهم السامي، فتكون طموحاتهم عالية، وهممهم راسية.

وهكذا تبدأ مسيرة بناء الكفاءات من الأسرة، مروراً بالمؤسسات التعليمية، التي تلعب دوراً حيوياً في بناء العقول وتنمية المهارات ورعاية المواهب، ومواكبة التطورات التقنية ومتطلبات سوق العمل، وصولاً إلى المؤسسات الحكومية والخاصة، التي يناط بها توفير بيئة عمل محفزة للإبداع والابتكار والتطوير.

ويتحمل الموظف مسؤولية كبيرة في تطوير مهاراته وقدراته، بما يمكنه من تحسين أدائه الوظيفي على الوجه الأكمل، من خلال التعلم المستمر، والتطلع الدائم لاكتساب المعارف والخبرات الجديدة، والاستفادة من الدورات التدريبية وغيرها، والحرص على الإبداع والابتكار، لتكون له بصمات مميزة في نطاق عمله، ويكون لبنة مضيئة في صرح الكفاءات، التي تسهم في تقدم الوطن وازدهاره ونفع المجتمع وسعادته.

وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»، فدل هذا الحديث على أن العامل ينبغي أن يعمل وفق مبدأ الإتقان والإحسان، لا على مقدار الأجرة فقط، فلا يقصر في عمله لنقص الأجر، بل يعمل بما هو أكمل نفعاً للناس، كما جاء في الحديث الآخر:

«أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس»، ويذكر أن صانعاً عمل عملاً فلم يوفِّهِ حقه، ودفعه لصاحبه، فلم ينم ليلته كراهة أن يظهر من عمله عمل غير متقن، فشرع في إعادة العمل حتى أتقنه، ثم غدا به لصاحبه، فأخذ منه الأول وأعطاه الثاني، فشكره، فقال:

«لم أعمل لأجلك، بل قضاء لحق الصنعة، كراهة أن يظهر من عملي عمل غير متقن، وهكذا ينبغي أن يكون الموظف والعامل، يحرص على الجودة والإتقان في عمله، ومما يعينه على ذلك أن يتزود بالكفاءات والمواهب التي تمكنه من ذلك، لينال محبة الله تعالى، وينضم إلى ركب المتقنين المحسنين في أعمالهم».

وقد اهتمت دولة الإمارات ببناء الكفاءات الوطنية اهتماماً كبيراً، وعملت على إتاحة المجال لها لتولي مناصب قيادية مهمة، من خلال العديد من المؤسسات والبرامج والمبادرات، منها على سبيل المثال مركز محمد بن راشد لإعداد القادة، والذي مر على تأسيسه 20 عاماً.

ويهدف لبناء قادة المستقبل، وتطوير قدراتهم ومهاراتهم القيادية، ومنها كذلك برامج قيادات حكومة الإمارات، التي تهدف إلى اكتشاف الكفاءات الوطنية القيادية القادرة على الريادة والابتكار، كما حرصت دولة الإمارات على دعم المواطنين العاملين في القطاع الخاص، وتشجيعهم على التطور المهني والابتكار، وأطلقت مجلس تنافسية الكوادر الإماراتية «نافس»، إلى غير ذلك من المبادرات والبرامج المتنوعة.

وقد تمكنت دولة الإمارات عبر هذه السياسات والمبادرات من بناء الكفاءات الوطنية في مختلف التخصصات، بما في ذلك الطاقة النووية النظيفة، وعلوم الفضاء، ومجالات التكنولوجيا المتقدمة وغيرها، ما أسهم في تعزيز مكانتها كمركز ريادي إقليمي وعالمي، وحقق لها قفزات نوعية في العديد من المجالات.

إن الاستثمار في الكفاءات الوطنية هو استثمار في الحاضر والمستقبل، به تتمكن الدول والمجتمعات من التغلب على التحديات التي تواجهها، وتحقيق أهدافها التنموية الشاملة بكل تميز واقتدار.

كاتب إماراتي