الثلاثة هم أمين الجميل، وميشيل سليمان، وفؤاد السنيورة، الأولان رئيسا جمهورية سابقان، والثالث رئيس وزراء. كلهم مخضرمون في دهاليز السياسة اللبنانية شبه الموحلة، وتحدث الثلاثة أمام رجال الإعلام الأسبوع قبل الماضي، داعين إلى لبنان جديد ذي سلاح واحد هو الجيش.
معضلات لبنان كثيرة، واحدة منها ساستها، الذين لا يخضعون في الأغلب إلى مصفوفة قانونية، تضبط العلاقة بينهم كممثلي الطوائف، حتى فرط لبنان الدولة، وأصبح هناك مجموعة من الدويلات على مر سنوات الاستقلال تتغير بتغير الظروف والفرص.
يراهن أعداء لبنان في عدم تعافيه على عامل رئيسي شبه واحد هو انتفاء وجود اتفاق الحد الأدنى بين سياسييه، وفي غياب ذلك العامل يجري التدخل في الشأن اللبناني من الجيران، وبعد الجيران.
في الوقت الحالي يتحكم حزب الله أو حتى وقت قريب بكل مفاصل الدولة في لبنان، وليس كذلك فقط، بل أصبح الحزب بقوته العسكرية مدفعاً منفلتاً يضرب في أرجاء الشرق الأوسط وخارجه، هو في سوريا واليمن، ويدرب عناصر تنتمي إلى عدد من الدول العربية تمهيداً لإرسالها لخلخلة الأمن في تلك الدول، كل ذلك تحت غطاء كثيف من التخدير الأيديولوجي أن ذلك من أجل فلسطين.
في هذه السنوات السابقة فقد لبنان استقلاله وحريته وتضاءلت الدولة، وأصبحت هناك فرق من البلطجية يعيثون فساداً في أرواح وأرزاق الناس، وتدهور الاقتصاد، وتحكم الحزب في المنافذ، وعطل القضاء، بل أرهبه، وعطل حتى الجسم المنتخب، والذي اسمه البرلمان اللبناني.
أي لبناني لا يرضي بهذا التدهور مهما كانت مصالحه ترغمه على الرضوخ، الموافقة هي من جزء من بيئة حزب الله، الذين تسيّدوا، وآخرون وجدوا أن مصالحهم الآنية السير مع الحزب في غلوائه، وإلغاء الدولة.
تحت ذلك الشعار «الدفاع عن لبنان» صدق البعض تلك الصيحة موافقين أو مرغمين، حتى تبين منذ أسابيع أن لبنان فضاء ورجالاً ومناطق يمكن أن يكون مستباحاً، ففجرت المباني، وهجرت البشر، وانتشر الجوع والخوف، مع قصور واضح في كل ما وعد به أبناء البيئة من «إن ضُربت بيروت فسوف تُضرب تل أبيب»، لقد كان كل ما وعد به وهماً كبيراً، وتم التخلص من عدد وافر من قيادات الحزب.
أي متابع للوضع اللبناني يرثي حال اللبنانيين حتى عن بعد، ولا يستطيع أن يفسر الموقف المناصر لهذا الدمار من بعضهم إلا أنهم في خدر عاطفي أو ربما مصالح غير ظاهرة، أما أي لبناني يشاهد دمار بلده فلا بد أنه يتحسر.
اليوم، بدأت الأصوات تجهر بما ينبغي أن يقال منذ زمن، ليس فقط انتخاب رئيس جمهورية، وليس فقط تمكين الجيش للبناني كونه مسؤولاً عن الأمن على الحدود، ولكن الأهم من ذلك هو «أن لا سلاح خارج سلاح الدولة»، ذلك ما قاله أصحاب الشعر الأبيض بتجربتهم الطويلة، وكذلك ما يجهر به حتى المسؤولون الحاليون.
أمام لبنان طريقان، إما استعادة الدولة كاملة غير منقوصة بنزع سلاح كل الميليشيات، والضرب على يد البلطجية، وبالتالي وضع لبنان على طريق التعافي، وإما أنصاف الحلول، والتي اتبعت بعد حرب 2006، حيث توافق الجميع مرغمين على بقاء السلاح خارج الدولة. إن تكرر ذلك فإن عودة لبنان إلى دمار ثالث مؤكدة، وربما الخروج من الجغرافيا.
أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت