لأغنية «ميحانة» (اسم علم مؤنث معناه «ما حان موعدنا»)، التي غناها المطرب العراقي المعروف ناظم الغزالي (1921 ــ 1963)، واشتهر بها في طول الوطن العربي وعرضه، قصة حزينة، مفادها أن شاباً عراقياً من منطقة المسيّب العراقية، التي يشطرها نهر الفرات إلى قسمين بين مدينتي بغداد وكربلاء، كان يملك مركباً صغيراً يزاول به نقل البضائع والحيوانات، وكان أثناء ممارسته العمل يغني بصوته الجميل. سمعته إحدى الفتيات الريفيات فأعجبت به وبصوته، ثم ما لبث أن نشأت بينهما قصة حب عفيفة، لكنها خافت أن يعلم الناس بقصتها، فينفضح أمرها وتعاقب، فلم تبح بها إلا لصديقتها المقربة «ميحانة»، وشاءت الأقدار أن يرحل الشاب في حادثة غرق، الأمر الذي أصاب الفتاة العاشقة بصدمة وحزن واكتئاب.
وذات يوم وهي جالسة على ضفاف الفرات قرب جسر المسيب التاريخي تغسل أوانيها المنزلية، مرّ مركب شبيه بمركب حبيبها، فاشتعل حنينها إليه، ودغدغت الذكريات مشاعرها، فالتفتت إلى صديقتها ميحانة، وكانت الشمس مائلة إلى الغروب، وأنشدت:
«ميحانة ميحانة/ غابت شمسنا، الحلو ما جانا/ حياك حياك بابا حياك/ الف رحمة على بيك/ هدول إلعذبوني/ هدول إلمرمروني/ وعلى جسر المسيب سيبوني/عافت عيوني النوم/ بعدك حبيبي العين دبلانة/ بلوح القدر مكتوب/ بهجرك حبيبي الروح ظمآنة/ ظليت انا سهران/أرعى نجومي ليش ما جانا/ واتسامر ويا الليل/ واجمع همومي وروحي تلفانة» إلى آخره.
ومن هنا قيل إن من نظم كلمات الأغنية غير معروف، ومنهم من نسبها إلى التراث العراقي، ومنهم من قال إن الذي لحنها أولا هو الملا عثمان الموصلي، لكن الثابت والمؤكد أن الفنان ناظم الغزالي أعجب بها، فأعاد غناءها بصوته الشجي وحنجرته الصداحة في حفلته الشهيرة بالكويت سنة 1963، بعد أن زين مقدمتها بموال «عيرتني بالشيب وهو وقار/ ليتها عيرت بما هو عار/ إنْ تكن شابت الذوائب مني/ فالليالي تزينها الأقمار» الذي ينسب إلى الخليفة العباسي المستنجد بالله.
والمعروف أن الأغنية اشتهرت كثيراً بعد ذلك، وصار الجمهور يلح على الغزالي أن يؤديها في سائر حفلاته الغنائية ولا سيما تلك التي كان يحييها كل صيف بمصايف العرب في لبنان قبل وفاته المفاجئة والغامضة بتاريخ 23 أكتوبر 1963 في بيروت، التي أقام بها في تلك السنة 35 حفلاً وسجل فيها العديد من الأغاني للتلفزيون، وصور مشاهد فيلمه الوحيد «يا سلام على الحب» مع نجاح سلام وفهد بلان، وهو ما أنهكه وتسبب في وفاته.
وبرحيل الغزالي قام العديد من مطربي ومطربات العراق ولبنان وسوريا بتقليده لجهة أداء هذه الأغنية، إما طلباً للشهرة أو استجابة لطلب الجمهور، فنجح بعضهم وفشل البعض الآخر. كما أن العديد من الفرق التراثية المحلية أو المغتربة مثل: فرقة الإنشاد وفرقة طيور دجلة وفرقة سومريات الموسيقية وفرقة الجنادرية، قامت بأداء أغنية «ميحانة» بطريقة جماعية.
وتعتبر أغنية «ميحانة» ضمن قائمة أشهر أعمال الغزالي، التي تضم أيضاً أغنيات «أقول وقد ناحت»، و«فوق النخل»، و«طالعة من بيت أبوها»، و«يا أم العيون السود»، و«أحبك وأحب كل من يحبك»، و«مروا علي الحلوين». والمعروف أن الغزالي، واسمه الحقيقي «ناظم أحمد ناصر خضير الجبوري» ولد في منطقة الحيدرخانة ببغداد لأسرة من عشيرة الجبور من مدينة سامراء، واختار لقب «الغزالي» لأن جده لأمه (جهاد عبد الله) كان يدعى جهاد الغزال كناية عن رشاقته وسرعة خطاه.
نشأ الغزالي يتيما فقيراً، لكنه قاوم كل ظروفه الصعبة، ونجح في إكمال دراسته الابتدائية والمتوسطة ثم نجح في الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة/ قسم المسرح، غير أن ظروفه المادية العسيرة أجبرته على ترك المعهد للعمل في مشروع الطحين بأمانة العاصمة، قبل أن يعود مجدداً إلى المعهد، ويحتضنه الفنان حقي الشبلي، ويشجعه على الغناء والتمثيل.