تعزيز روح الانضباط

لفت انتباهي خبر حذرت فيه إدارات مدارس حكومية وخاصة في دبي الطلاب من ارتداء الإكسسوارات والقبعات خلال اليوم الدراسي، تطبيقاً للائحة السلوك الطلابي التي تحظر ارتداء أي زي أو زينة غير مصرح بها.

حيث تهدف هذه الإجراءات إلى خلق بيئة تعليمية منضبطة وتحقيق التركيز المطلوب، وكان الحل بخصم درجتين من سلوك الطالب عند المخالفة الأولى، وتصل إلى 4 درجات عند التكرار، مما يؤثر في تقييم الطالب بحسب خبر «البيان».

أكدت الإدارات أن هذه الإجراءات ليست مؤقتة، بل جزء من خطة لتعزيز الانضباط، وتدعو أولياء الأمور لدعم هذه السياسات لتهيئة بيئة تعليمية منظمة تعزز من نجاح الطلاب.

الانضباط نهج تسير عليه معظم بيئات الأعمال، وعندما يخفق الفرد في تلقي الانضباط في المنزل لظروف عائلية أو تفكك أسري، تأتي المدارس لتعلّم الطالب الانضباط، وهي ليست محاولة للسيطرة على اليافعين والأطفال، بل هو نهج مطلوب للتهيئة للحياة ولبيئة العمل.

فكثيرون ممن جاؤوا من مدارس ليس فيها حزم تجد شيئاً من سلوكهم يستمر في سنوات الوظيفة الأولى، أو ربما سائر حياتهم، مما يسبب مصاعب كبيرة للمديرين وقسم الموارد البشرية.

وتتباين وجهات النظر حول شدة تطبيق الالتزام بين المدارس، فهناك من يرى في المدارس البريطانية وما شابهها، صرامة منقطعة النظير في تطبيق القوانين والقواعد النظامية، ربما أكثر من المدارس ذات النظام الأمريكي التي ربما تميل نحو التركيز على النتائج أكثر من الإجراءات.

أما صور الانضباط في العمل فهي عديدة، منها مثلاً ثقافة الالتزام بالمواعيد، فذلك يأتي من تقديس مواعيد التسليم والاجتماعات، والوفاء بالوعود في أوقاتها. وهناك أيضاً جدية الحضور والانصراف. هناك أيضاً ثقافة الالتزام بالاحترام والتقدير، وعدم التهاون مع أي إساءات سلوكية.

في كل لائحة هناك بند للاستثناءات يكون في يد رئيس المنظمة، وعادة لا يتوسع به متخذ القرار حتى لا تنفلت زمام الأمور ويصبح الاستثناء هو القاعدة، والانضباط هو الاستثناء.

ولا يعلم البعض أن الانضباط ليس مقصوراً على الأمور التقليدية، فالاهتمام بالتفاصيل، والدقة، والجودة هي من أبجديات العمل المنضبط. وحتى المظهر العام، يعكس للزائر مدى التزام العاملين في قواعد الزي الرسمي. وبالمناسبة، عندما تفتح أي كتاب علمي بالجامعة للموارد البشرية تجد فيه أجزاء كبيرة تتحدث عن أهمية وجود قواعد للزي dress code حتى لا يصبح الأمر مزاجياً. فلا يليق ارتداء ملابس فاضحة في بيئة عمل لأنها لا تعكس مهنية ولا احترام لأجواء العمل.

كنا في رحلة عمل مع أمريكيين لمبنى مكاتب شهير وعندما فتح المصعد بابه أمامنا لتخرج فتيات نصف عاريات بملابس قصيرة وكاشفة. ذهل الرجلان وبعد أن أغلق باب المصعد علينا نحن الثلاثة سألتهما: ماذا بكما؟ فقالا أمضينا حياتنا المهنية كلها في نيويورك وغيرها ولم نشاهد أحداً يرتدي هذه الملابس الفاضحة التي رأيناها في هذا البلد (غير العربي).

الانضباط لا يأتي من الخارج بالضرورة، فهو كذلك ينبثق من الداخل، فعندما يلتزم المرء بحسن إدارة وقته، وتفانيه في العمل، واستجابته للانتقادات البنّاءة وتقبل التوجيهات والسعي لتحسين الأداء كل ذلك يمكن أن يعزز من الشخصية المنضبطة. وعندما يصبح مديراً يتعلمه منه مرؤوسيه الشباب ثم ينتقل إليهم السلوك نفسه. فلا توجد بيئة عمل فعالة من دون عمل جماعي منضبط يؤدي فيه كل فرد دوره على أكمل وجه.

وهناك طرق عديدة لتدريب الشباب على الانضباط. حيث يمكن تعزيز الانضباط عبر تمارين عملية، مثل تحديد أهداف قصيرة المدى ومتابعة التقدم، وتخصيص وقت يومي للتركيز على مهام معينة، وتعليمهم إدارة الأولويات ومهارات التواصل الإيجابي. فمن شبَّ على شيء شاب عليه.

تعزير روح الانضباط عملية مشتركة ومستمرة بين المدارس، وبيئات العمل، ومن يطبق القوانين عموماً. والأهم أن ينبع الانضباط من ذات الإنسان فهي أكثر وقعاً واستدامة.