تشهد منطقة الشرق الأوسط حرباً أخرى، تنذر بالتوسع إلى مناطق أخرى. وقد رأينا كيف تصاعدت وتيرة الحرب وتراشق الإسرائيليون والإيرانيون في فعل ورد فعل.
وتعتبر منطقة الخليج العربي منطقة حساسة، لجهة الاقتصاد العالمي. ولأهمية الخليج العربي والمنطقة عموماً، قد يجلب توسع الحرب تدخّلاً من قبل القوى الكبرى. لن تكون هذه الحرب الأخيرة، إذا ما كان التاريخ دليلاً أو استرشاداً للمستقبل.
الحروب في المنطقة لا تنتهي بمعاهدات سلمية، ولا بحلول جذرية، بل تنتهي بهدن، قصرت أم طالت، تلد حرباً أخرى. حروب الشرق الأوسط بين الدول العربية وإسرائيل، خير شاهد على ذلك. وحروب إسرائيل ضد الفلسطينيين استمرت واحدة تلو الأخرى. وكذلك الحال بالنسبة لحروب إسرائيل ضد لبنان وحزب الله.
حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، انتهت، ولكن دون معاهدة سلمية، ولا نتائج حاسمة. وبسبب وضع العراق الداخلي، والاقتصادي بالذات، شبت حرب إثر غزو العراق للكويت، وعدم استجابة الأول لقرارات مجلس الأمن بالانسحاب من الكويت.
وقد قررت ما يزيد على ثلاثين دولة، بقيادة الولايات المتحدة، بدحر القوات العراقية، وإجلائها من الكويت. ولكن لم تنتهِ الحرب بشكل حاسم. وفي آخر المطاف، قامت أمريكا وبريطانيا مع دول أخرى بغزو العراق، بإسقاط حكم صدام حسين، ولكن ظل الوضع يترنح بين قوى سياسية متنازعة وميليشيات ونفوذ إيراني كبير.
والحال ليس بأفضل من ذلك في شرق المتوسط. حركة «حماس» تسيطر على قطاع غزة المحاصر من قبل إسرائيل. والسلطة الفلسطينية هيكل موجود في الضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيل، ومستوطنون يعتدون على المدنيين الفلسطينيين، برعاية الجيش الإسرائيلي.
وانتهاكات المسجد الأقصى متكررة من قبل اليهود المتعصبين، والذي يؤدي إلى مزيد من الصدامات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الاحتقان السياسي في المناطق المحتلة، يؤدي بالضرورة إلى انفجارات متكررة. ولعل أحداث السابع من أكتوبر، أكبرها وأكثرها ودموية.
وكما هو متوقع، انفلتت إسرائيل عن عقالها، وقامت بضربات انتقامية للقضاء على حماس، ما أدى إلى المزيد من الضحايا. ولعل غياب الدور الأمريكي الفعال في المنطقة بسبب انشغال الولايات المتحدة بالوضع الداخلي، خاصة بالانتخابات الأمريكية، وتراجع اهتمامها بالمنطقة، استمرت الحرب بمساندة أمريكية، ودعم عسكري لا محدود.
ثم كان هناك جبهة الجنوب التي فتحها «حزب الله» لمساندة الفلسطينيين في غزة في اليوم التالي من عملية «طوفان الأقصى». وقد أدى تبادل القصف بين إسرائيل وحزب الله لمدة أزيد من عام، إلى تصعيد مخيف، والتي أدت إلى مقتل كثير من قيادة الصف الأول في «حزب الله»، وطالت مسلسل الاغتيالات، قيادات من حركة «حماس» أيضاً.
ليس من المتوقع أن تنتهي هذه الحرب بشكل حاسم، وهناك احتمال أن تستعر لتشمل الإقليم. وإذا ما زادت وتيرة الحرب، فإن اهتزازات في المنطقة العربية واردة. ولعل الانتخابات الأمريكية في نوفمبر، ستكون منعطفاً للدخول إلى مرحلة جديدة، أو بداية أفق لوقف إطلاق النار.
الحل للوضع في الشرق الأوسط، هو في تقوية مؤسسات الدولة، وسيطرة كيان الدولة على وسائل العنف. ولكن في المدى المتوسط، هو العودة إلى طاولة المفاوضات، وأحياء المبادرة العربية للسلام.
إلا أن الائتلاف الحاكم في إسرائيل، لا يقبل بأي حلول، وعلى الدول العربية، ومعها الولايات المتحدة، أن تسعى بجدية لخلق بديل للائتلاف الحاكم في إسرائيل.
تأثير واشنطن في الإسرائيليين له تأثير وازن. وإذا ما شعر كثير من الإسرائيليين بموقف جاد من قبل الولايات المتحدة، سيكون له وقع كبير. وبذلك تستطيع واشنطن الدفع إلى تشكيل حكومة تجنح لإنهاء الحرب، وعلى المدى البعيد، قد تكون حكومة تقبل بالإجماع الدولي لتحقيق حل الدولتين.
كاتب وأكاديمي