بانتظار اليوم التالي!

العالم ينتظر الغد، حيث الانتخابات الأمريكية، وهي في هذه الدورة مختلفة عن كل الانتخابات السابقة. عادة تصف الصحافة الأمريكية موسم الانتخابات بأنه (موسم الجنون)، حيث يقال فيه كل شيء وأي شيء من قبل المتنافسين، ويسر الأمريكيون، والنشطاء منهم على وجه الخصوص، في حضور التجمعات الانتخابية، وكأنها مصارعة الديكة، كل متحمس لفريقه، أكان يفهم ما يقال أو لا يفهم، وبعضهم يحضر تلك التجمعات لا كمؤيد، بل في الغالب كمتفرج يسر بالبهرجة المصاحبة والكلام الناري.

هي، أي الانتخابات، مختلفة هذه المرة، لأسباب كثيرة، منها أنه في معظم، إن لم يكن كل السباقات للرئاسة، كان المرشح بمجرد شبهة أو تهمة، حتى لو كانت إشاعة، عادة يخسر أو يتنحى حتى قبل الانتخابات، هذه المرة هناك مرشح أدين في محكمة فيدرالية، مع ذلك استطاع أن يحصل على تأييد حزبه، بجانب أنه كان رئيساً في السابق، وتلك أيضاً ظاهرة نادرة، بجانب منافس، هي امرأة ملونة، لو حصلت على النسبة المطلوبة في المجمع الانتخابي (غداً أو بعد الغد)، ستكون ظاهرة تاريخية في مسيرة الديمقراطية الأمريكية.

الاستطلاعات التي أجريت حتى الآن، تبين ضعف الإيمان بالديمقراطية لدى الجمهور الأمريكي. هو يحتفل بها كما يحتفل بعيد الهالوين، أو عيد الشكر، لا أكثر، يمارس الطقس دون اقتناع.

البعض يحاول أن يذهب في قراءة نتائج الانتخابات على أنها مفصلية، وأن هناك سياسيات جديدة سوف تتبع مختلفة بين الحزبين، أو بين شخصيتي الرئيس أو الرئيسة، تلك قراءة متعجلة، فالولايات المتحدة دولة مؤسسات، وهناك مصالح ثابته للدولة، سوف يسير بموجبها أي من الفائزين.

الفرق في طريقة الأداء، فالرئيس السابق دونالد ترامب ثبت من دورته الأولى أنه خارج المؤسسة السياسية التقليدية، ولذلك له الكثير من السلوك السياسي المفاجئ، حتى في اختيار معاونيه، والذين يغيرهم واحداً تلو آخر، ما يثير عدم الاستقرار في القرار، ففي دورته الأولى، غيّر وزيري الخارجية والدفاع، وعدداً كبيراً من أصحاب المناصب المتقدمة في الإدارة، مثل مستشار الأمن القومي، بعضهم بعد خروجه كتب مذكراته، وهي تنم عن ضيق بفردانية الرجل في اتخاذ القرار، وفي بعضه مناقض للتوقع، أو حتى لرغبة الدولة العميقة، إن صح التعبير.

الإشكالية التي سوف تواجهها نتائج الغد، أو ما بعد الغد، هو ليس فوز دونالد ترامب، ولكن فوز كاميلا هاريس، فيتخوف المراقبون أن يقوم ترامب في هذه الحالة برفض نتائج الانتخابات، كما فعل في السابق، ويثير الكثير من الغضب عند مؤيديه، ما يرى البعض أنه قد يأخذ البلاد إلى شبه حرب أهلية.

إن حدث ذلك، فربما تكون بداية النهاية لما عرفه العالم وفخر به من ديمقراطية في الولايات المتحدة، قد يكون التخوف ذاك مُبالغاً به، ولكنه أيضاً محتمل.

في حال فوز هاريس، فإن الكثير مما عرف من سياسيات رئيسها جو بايدن، سوف يتغير، وهي تقول إنها تمثل جيلاً جديداً من الساسة، يأخذ عليها البعض أنها غير متعمقة في مشكلات العالم، وأكثر قرباً من المثالية منها إلى الواقعية، والتعلم وأنت في سدة المسؤولية، مخاطرة غير محسوبة.

تواجه الولايات المتحدة التحدي الاقتصادي في الداخل، وأيضاً التحدي الإثني، فلم تعد أمريكا بيضاء، كما كانت قبل نصف قرن، كما تواجه التحدي الصيني، اقتصادياً، وحتى سياسياً، والحرب في كل من أوكرانيا والشرق الأوسط، وهي ملفات لا تصلح معالجتها من هواة، تحتاج إلى محترفين، لم يتقدم أي منهم للسباق الرئاسي! إن انتظار اليوم الثاني عالمياً، يشوبه القلق!!