أطلقت شركة شهيرة حملة تسويقية ضخمة على التلفزيون، استهدفت الشباب. غير أن النتيجة كانت صادمة لها، حيث لم تحقق جهودهم أي أصداء تذكر. ثم اكتشفوا أن الفئة المستهدفة كانت من «جيل Z»، وهو الذي يمضي وقته على منصات «تيك توك» و«يوتيوب»، بدلاً من الشاشة الفضية. هذه الواقعة حدثت كثيراً، ودفعت القائمين على الشركات للتفكير الجذري بطريقة تواصلها مع جمهورها، عبر التعمق بدراسة سلوك الأجيال العمرية.
لا يكاد يخلو كتاب أكاديمي في التسويق أو الإدارة من تلك الدراسة، التي صنفت الأجيال المتعاقبة، في محاولة لفهم التحولات الاجتماعية والسلوكية، ودورها في توجيه قراراتهم. ويروى أنه تلك الدراسة كان وراءها علماء اجتماع وديموغرافيون، الذين طوروا نظرية الأجيال.
ربما كشفت «النظرية» جانباً من صراع الأجيال، بين الأب وبنيه، والأخ الأكبر وأخيه. حيث تبيّن أن هناك سمات مشتركة بين الأجيال، تختلف اختلافاً جذرياً عن أسلافهم. فجيل X، الذي ولد بين عامي 1965 و1980، قد شهد بداية الحوسبة وثورة الإنترنت. وهم المخضرمون، حيث عاصروا جيلين. ويعتبرون مستقلين، ويتحلون بالمقدرة على الموازنة بين العمل والحياة.
وهناك جيل «الميلينيالز» أو الألفية (Y)، حيث ولدوا بين عامي 1981 و1996، وهو أول جيل نشأ مع التكنولوجيا الرقمية، باعتبارها جزءاً مهماً من حياته اليومية. هؤلاء اتضح أنهم يفضلون العمل الهادف والتجارب الجديدة.
وهناك الجيل الرقمي (Z)، الذي ولد ما بين عامي 1997 و2012، الذي ترعرع في عصر الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا الجيل «الزيدي»، يعد رقمياً بجدارة، لكن لديه وعي اجتماعي. بعبارة أخرى، لم يكن يلهو بالشارع أو يتحلق حول شاشة التلفزيون، باعتبارها المصدر الرئيس للمتعة والمعلومة. ولا يمكنه أن يتخيل أن الشاشة كانت مقصورة على تلفزيون الدولة الرسمي، وأنه كان يغلق ويفتح في أوقات معينة، ولا توجد فقرة أطفال إلا لسويعات من برامجه اليومية.
بعد أولئك جاءنا جيل «ألفا»، هو كل من ولد بعد عام 2013 حتى وقتنا الراهن. هو أصغر جيل، لكنه يتأثر بشكل جذري بالتقنيات المتطورة، كالذكاء الاصطناعي، وكل ما يجري في الإنترنت، والتطبيقات العصرية. ولذلك لا بد أن نعول كثيراً على مقدرة جيل ألفا، الذي صار الذكاء الاصطناعي جزءاً أصيلاً في يومياته. فسيصبح في مقدوره إنجاز أعمال كثيرة في وقت قياسي قصير. إذ يمكنه أن يصمم، ويبرمج، ويرسم بالاستعانة ببرامج تنتج له ما يريد في سرعة البرق.
إذن، الواقع يقول إننا كمؤسسات وأفراد، حينما نعامل الناس على أنها كتلة واحدة، فقد جانبنا الصواب. فتنوع السمات بين الأجيال والحقب الزمنية التي ولدوا فيها، قدمت لنا أجيالاً مختلفة تماماً في يومياتها ونظرتها للأمور، وطريقة حل المشكلات وما شابه. ذلك أن هؤلاء قد مروا بتجارب تاريخية وثقافية وتقنية أثرت بهم، وجعلتهم يشكلون قيمة مضافة. فتجد أن بعض الأجيال تتحلى بالأريحية في التعامل مع كل جديد، في حين لم يقسم للأجيال القديمة أن تعيش منذ نعومة أظفارها في «نعيم» التكنولوجيا. فهو يستخدمها مضطراً، لكن حنينه إلى حفيف الورق والإجراءات التقليدية، قد يأتيه بين حين وآخر.
هناك من يحن للماضي، والعودة إلى منطقة الراحة، حينما يرى عجلة التقدم السريعة المذهلة، ويشاهد كمّ الفضائح والإهانات والتنازل عن القيم الأصيلة التي تحدث لدى بعض الأفراد في الأجيال الجديدة، للفوز بحفنة متابعين جدد، بغض النظر عن ما «داسه» من قيم، كانت بالأمس القريب مقدسة بالنسبة إليه.
سنّة الحياة التغيير، وكذلك الحال مع البشر الذين ينبغي أن نتقبلهم كما هم، ولا نحاول عبثاً تغييرهم، فمن التغيير ما قد يأتي بنسائم عطرة، ومنه ما قد يأتي بعواصف عاتية، تهدم ما كان شامخاً من إنجازات وقيم نبيلة.