قصة عبد الوهاب مع الغناء لزعماء مصر

الموسيقار محمد عبد الوهاب المولود عام 1902 والمتوفى في 1991، عاش طويلاً بحيث عاصر كل الأحداث العاصفة والتغييرات السياسية التي مرت على مصر طوال نحو قرن من الزمان، بل عاصر معها كل زعماء مصر في تلك الحقبة، ابتداءً من الخديوي عباس حلمي الثاني والسلطان حسين كمال والملك أحمد فؤاد وخليفته الملك فاروق الأول، وصولاً إلى الرؤساء محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك. والمعروف أنه لم يغن لهؤلاء القادة باستثناء اثنين هما الملك فاروق والرئيس جمال عبد الناصر، وإن قدم ألحانه لمطربين غنوا للرئيس السادات، علماً أنه غنى أيضاً لملوك غير مصريين مثل ملك العراق فيصل الأول وملك السعودية عبد العزيز آل سعود وخليفته الملك سعود وملك ليبيا إدريس السنوسي وملك المغرب الحسن الثاني، إضافة إلى ثلاث أغنيات خص بها رئيس وزراء مصر الأشهر مصطفى النحاس باشا.


أما حكاية غنائه للملك فاروق فقد جاءت من باب الغيرة من أم كلثوم، التي كانت قد غنت من شعر أحمد شوقي وألحان السنباطي «الملك بين يديك في إقباله، عوذت ملكك بالنبي وآله»، حيث قام عبد الوهاب في عام 1936 بتلحين قصيدة النيل لبشارة الخوري والتي ورد فيها «أنزلت آية الهدى في جبينك، فإذا الشرق كله طور سينك»، وقام بتسجيلها بالعود على أسطوانة، لكنه قبل أن تنزل إلى الأسواق وتباع قام بتغيير بعض كلماتها، خوفاً من ردة فعل الملك لأن القصيدة تقول في آخرها «حسدتك الأنهار حين أتاها، أن فاروق من هواك وطينك»، إذ قال له بعض مقربيه «لو الملك سمع هذا البيت، ده ممكن يطيّن عيشتك»، طبقاً لما رواه الشاعر الراحل أحمد شفيق كامل.


مرت أزمة قصيدة «النيل» على خير، فواصل عبد الوهاب الغناء للملك، على أمل أن يحصل على درجة البكوية التي منحت لفنانين غيره مثل عميد المسرح العربي يوسف وهبي (بعد حضور الملك للعرض الأول لفيلم «غرام وانتقام» سنة 1944 من تمثيل وإخراج يوسف وهبي وبطولة اسمهان وأنور وجدي)، وهو فيلم تضمن «نشيد الأسرة العلوية» الذي يمجد الأسرة الملكية الحاكمة منذ عهد محمد علي باشا وحتى عهد الفاروق، ومثل فيه الفنان القدير سليمان نجيب الذي كان يتولى إدارة الأوبرا الملكية، ناهيك عن أم كلثوم التي حصلت على درجة موازية تمثلت في نيلها لقب «صاحبة العصمة» (لقب كان وقتها لا يعطى إلا لأميرات الأسرة المالكة)، وذلك بعد أن تفاجأت بحضور الملك لحفل كانت تغني فيه أغنية «ليلة العيد»، فحورت غناءها لتحييه، وبعد انتهائها من الغناء استدعاها الملك ليصافحها فقبلت يده، ليبلغها رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا أن الفاروق أمر لها بنيشان الكمال من الدرجة الثالثة ولقب «صاحبة العصمة».


وهكذا راح عبد الوهاب يغني للملك فقدم في سنة 1938 أغنية «غني يا طير باللحن الجميل» المفقودة بمناسبة زفافه على الملكة فريدة، ثم لحن وغنى «يا أغاني السماء هاتي وأطربي التاج والمليك» من كلمات محمود حسن إسماعيل بمناسبة ميلاد أول طفل للملك (الأميرة فريال) سنة 1938، لكنه لم يسجلها بعد أن اكتشف أن السنباطي لحنها قبله لتغنيها أم كلثوم. وفي عام 1945 طلب من الشاعر صالح جودت أن يكتب له أغنية تتضمن كلماتها مديحاً للملك فاروق، فكتب له أنشودة «الفن» التي وضع لها لحناً رائعاً واستثنائياً أملاً في نيل درجة البكوية، وهو ما لم يحدث لسبب غير معروف، وإن قيل إن الملك كان يغار من شعبية الموسيقار. وبعد أحداث يوليو عام 1952، تم منع كل أغاني المديح والتمجيد للعهد السابق، وانصرف عبد الوهاب الغناء للرئيس عبد الناصر، فغنى للثورة المصرية والوحدة المصرية السورية وحرب بورسعيد وغيرها.