المؤكد أن الصين ليست سعيدة بفوز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لكنها رغم ذلك تعتقد أن أسوأ كوابيسها وهو تكوين جبهة موحدة ضدها عبر الأطلسي بشأن التجارة والتكنولوجيا والأمن قد تلاشى مؤقتاً.
بمجرد أن تم التأكد من فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية شعرت أطراف كثيرة بالخسارة وفي مقدمتها الصين وإيران وحلف الناتو والمهاجرون وكل من يعادي إسرائيل. اليوم نتحدث عن السيناريو المتوقع للعلاقات الأمريكية الصينية في عهد ترامب وهل ينفذ تهديداته أم لا؟
أحد أهم هذه الوعود أنه سيفرض رسوماً جمركية على السلع الصينية بنسبة تصل إلى 60%، وهذه الرسوم تطال 500 مليار دولار من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وإذا تم تطبيق ذلك فإن التبادل التجاري بين البلدين قد يتعرض للدمار، خصوصاً أن الصين يفترض أن تتخذ إجراءات مضادة.
السؤال الذي يسأله كثيرون هو لماذا يهدد ترامب بفرض مزيد من الرسوم الجمركية على الواردات من الصين خصوصاً أنه فعل ذلك أكثر من مرة في ولايته الأولى من عام 2016 إلى 2020؟
نعلم أن حجم التجارة بين البلدين يصل إلى نحو 800 مليار دولار ويميل بشدة لصالح الصين، في عام 2021 مثلاً صدرت الصين لأمريكا سلعاً بما قيمته 354 مليار دولار ولم تستورد منها إلا بـ116 مليار دولار فقط.
والمتوقع أن تحقق الصين هذا العام فائضاً تجارياً قد يصل إلى تريليون دولار منها 291 مليار دولار مع الولايات المتحدة فقط.وإذا علمنا أن الولايات المتحدة هي أكبر مستورد للسلع في العالم بما قيمته 3.2 تريليونات دولار نهاية عام 2022، فإن نسبة الواردات من الصين تبلغ 16%.
الولايات المتحدة أكبر عملاق اقتصادي في العالم بناتج محلي إجمالي يصل إلى أكثر من 22 تريليون دولار مقابل نحو 18 تريليون دولار للصين في المركز الثاني، ولذلك فإن الولايات المتحدة تخشى اللحظة التي تسبقها فيها الصين اقتصادياً قبل عام 2030.
وبسبب هذه النقطة تحديداً فإن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تسعى بكل الوسائل إلى تأخير هذه النبوءة المقلقة، لكن ترامب أكثر تشدداً من أي رئيس أمريكي سابق في التعامل مع الصين وبالتالي فإن الصدام بين الطرفين يبدو حتمياً.
السؤال هو هل ينفذ ترامب تهديده بشأن فرض 60% رسوماً جمركية على الصين؟
من وجهة نظر الخبراء فإن ترامب يسعى إلى استعادة التوازن النسبي في التبادل التجاري، ومع ميله لممارسة أكبر قدر من الضغط قبل التواصل إلى اتفاق مع الصين، فالمتوقع أن يفرض هذه الرسوم الجمركية.
وقياساً على ما فعله في ولايته الأولى مع الصين وغيرها فأغلب الظن أنه سينفذ وعده أو تهديده، إضافة إلى إنهاء وضع الدولة الأولى بالرعاية التجارية للصين.
قبل الانتخابات بأيام قال ترامب: الرئيس الصيني شي جين بينج لن يجرؤ على استفزازي لأنه يعرف أنني مجنون ولن يقدم على غزو تايوان رغم أنني لن أستخدم القوة العسكرية لمنعه من ذلك، لكن في المقابل سوف أفرض رسوماً جمركية على بلاده تتراوح بين 150 إلى 200%.
الصين تشعر بالقلق من فوز ترامب ولا يمكنها التنبؤ بتصرفاته والسؤال: ماذا ستفعل إذا نفذ تهديده؟
الإجابة عن السؤال جاءت على لسان تاو تنج كبيرة الاقتصاديين الصينيين في يو. بي. اس انفستمنت ريشرتش بقولها إنها تتوقع أن ترد الصين على التهديدات بشكل محدود عبر تقديم الدعم للسياسات المحلية لتعويض التأثير، وربما استهداف السلع الزراعية الأمريكية أو المواد الخام التي تحتاجها أمريكا، خصوصاً للقطاع التكنولوجي الاستراتيجي.
خطورة تهديدات ترامب أنها تأتي في وقت يعاني فيه الاقتصاد الصيني من تباطؤ وصعوبات كبيرة وتراجع نسبة النمو وتعثر القطاع العقاري وخطر الإفلاس الذي يواجه بعض الشركات الصينية الكبرى.
التباطؤ الاقتصادي في الصين بدأ من أيام وباء كورونا الذي انتشر من الصين للعالم نهاية عام 2019 ثم تعمق مع الأزمة الأوكرانية وأزمة التضخم التي كادت تتحول إلى ركود.
بعض خبراء الاقتصاد العالمي يستبعدون إقدام ترامب على تنفيذ تهديده لأن جزءاً كبيراً من الصناعات الأمريكية يعتمد على مواد خام صينية، وإذا حدث ذلك فسوف ترتفع الأسعار في أمريكا، الأمر الذي سيضرب جوهر وعود ترامب بتحسين مستوى معيشة المواطنين الأمريكيين، إضافة إلى عوائق محلية وقانونية تمنع تنفيذ وعده بصورة كاملة.
ورغم كل ما سبق فإن فوز ترامب يفيد الصين استراتيجياً في قضايا تايوان وبحر الصين الجنوبي مقارنة بالجبهة الموحدة على جانبي الأطلسي التي كانت الإدارة الأمريكية الديمقراطية تقول إنها ستسعى لتنفيذها ومحاصرة الصين.
وتعتقد دوائر كثيرة في بكين أن ترامب سوف يكون مشكلة لأوروبا أكثر منه مشكلة للصين، وبالتالي فإن بكين تسعى طول الوقت لإقناع أوروبا أن أمريكا ليست شريكاً يعتمد عليه، وبالتالي فمن مصلحتها أن تكون لها علاقة جيدة بالصين في حين أن إدارة بايدن.
وكذلك حلف شمال الأطلسي كانت ترى أن الدعم الأمريكي الغربي لأوكرانيا ضد روسيا سوف يرسل رسالة حازمة لقادة الصين لمنعهم من غزو تايوان بالقوة، وكذلك وقف التقارب الصيني الروسي خصوصاً عسكرياً واقتصادياً. كل ما سبق هو تهديدات ترامب قبل الانتخابات.. والسؤال هل ينفذ تهديده أم تتمكن الصين من امتصاص الهجمة بمزيد من الصبر كما تفعل دائماً في معظم أزماتها؟
* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية