في عصرنا الرقمي المتسارع ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي اتخذت مصادر القوة الناعمة والتأثير على الآراء وتشكيل العقول مسارات جديدة، وأصبح صناع المحتوى في مواقع التواصل اليوم أحد أبرز المؤثرين الذين يؤثرون على آراء الأفراد وسلوكياتهم وقراراتهم وتوجهاتهم في المجتمعات، سواء كان ذلك بالإيجاب أو السلب.
حيث يتمكنون من الوصول إلى شرائح واسعة ومتنوعة من الجماهير من خلال المنشورات والتدوينات والمقاطع المرئية القصيرة وغيرها، ولذلك فإنهم يتحملون اليوم مسؤولية كبيرة فيما ينشرونه، وفي التأثير الذي يتركونه على متابعيهم.
إن صناعة المحتوى هي مهارة ومسؤولية في آن واحد، فهي من ناحية تتطلب إطلاق العنان للإبداع والمهارات التقنية وتلمُّس ما يجذب المتابعين ويحفزهم على التفاعل، من تدوينة مميزة، وصورة معبرة، وفيديو مشوق، ومن ناحية أخرى فهي تستدعي من صاحبها أن يتحلى بروح المسؤولية على أعلى مستوى، ليكون المحتوى الذي يقدمه للجمهور إيجابياً مثمراً، ينفع ولا يضر، ويتضمن قيماً هادفة مفيدة.
ولكن في ضوء ما توفره منصات التواصل من فرص التكسب والربح والظهور فقد يسعى البعض للاستفادة من ذلك دونما تقيد بمعايير وضوابط، فينجرف بعيداً عن شطآن المحتوى الهادف، ويندفع بموجب الحاجة إلى الشهرة والثروة إلى إنتاج أو إعادة نشر محتوى مبتذل أو مسيء، أو نشر معلومات زائفة أو أفكار مشوهة أو مفاهيم مغلوطة.
وطالما أن ذلك يحقق له نسبة عالية من المشاهدات والإعجابات فقد يكون ذلك دافعاً له للمضي قدماً بنفس هذا النهج فيما يقدمه من محتوى، بغض النظر عن سلامة المضمون وصواب المنشور، فيكون تأثيره بذلك تأثيراً سلبياً مضراً.
إن هناك معادلة طردية مهمة ينبغي على صانع المحتوى أن يضعها نصب عينيه، وهي أنه كلما زاد عدد متابعيه كانت المسؤولية الملقاة على عاتقه أكبر، وذلك يحتم عليه أن يكون أحرص على جودة ما يقدم شكلاً ومضموناً، وأحرص على اختيار الكلمات وانتقاء العبارات بدقة.
وتقديم المحتوى المبني على الحقائق الموثوقة، ويكون مرآة ناصعة لمجتمعه ودرعاً حصينة لوطنه، يعبر عن القيم الأصيلة للمجتمع بأحسن ما يكون، ويدفع عن الوطن إساءات المسيئين وتحريض المغرضين، ويكون قدوة في ذلك على أحسن وجه، وبعبارة مختصرة مع كل متابع جديد تزداد مسؤولية صانع المحتوى في تقديم محتوى أكثر قيمة وفائدة.
ومن مظاهر التحلي بالمسؤولية بالنسبة لصانع المحتوى أن يتحلى بالقدوة الحسنة، فإذا اقتدى به الناس لم يجدوا منه إلا قولاً جميلاً يتمثَّلون به، وفعلاً نبيلاً يقتدون به، وأخلاقاً حميدة يتابعونه فيها، وقد أشار إلى ذلك الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في كلمته التي ألقاها أمام القمة العالمية للحكومات في فبراير 2024.
حيث أوضح الفرق بين القدوة والمؤثر، فالمؤثر غير القدوة قد يبث قيماً تختلط فيها الإيجابيات بالسلبيات لتصبح أداة للهدم والتشويه والتحريض، بخلاف الشخصية القدوة، فإنها تنشر القيم الأصيلة التي تغرس أفضل المعاني وأجملها، وتهتم بالمحافظة على المقاصد العليا للأوطان.
ومن أهمها ترسيخ الاستقرار والأمان ووحدة الصف وجمع الكلمة، ومن هنا ينبغي اختيار القدوات الحسنة بوعي سواء كانوا صناع محتوى أو غيرهم، وعدم متابعة أي مؤثر هكذا من دون التأكد من جودة المحتوى الذي يقدمه.
إن صانع المحتوى القدوة ينظر إلى الحرية المتاحة له على مواقع التواصل الاجتماعي على أنها حرية رشيدة مسؤولة، فيحسن استثمارها بما يفيد الآخرين، ويضبط كتاباته ومنشوراته المتنوعة، ويزنها بأحسن ميزان، فهو يدرك أن كل كلمة ينشرها تحمل في طياتها قوة مؤثرة، وأنها قد تبني مجتمعاً أو تدمره.
كما أنه يضبط ردوده وتعليقاته وتفاعله مع الآخرين، متحلياً في ذلك بالحكمة وحسن الخطاب، ويكون نافذةً جميلة يطل منها الآخرون على مجتمعه ووطنه، ولا يفتح الباب لأي طرف ليستغل كلمة خاطئة صدرت منه بقصد أو بغير قصد للإساءة إلى بلده، بل يراعي في كل ما ينشر جلب المصالح ودفع المفاسد ومراعاة العواقب والمآلات.
إن صناع المحتوى اليوم فاعلون ومؤثرون، وجدير بهم أن يعكسوا أجمل القيم عن مجتمعهم ووطنهم، وأن يقدموا الأنفع للبشرية جمعاء.
كاتب إماراتي