دائماً ما كان للموانئ أثر على سلوك الناس، وعيهم ومعارفهم، تلمس ذلك في التعاملات البينية اليومية، وجزئيات الحياة للأفراد في المجتمع؛ فعابرو الميناء دائماً ما يتركون خلفهم أشياء كثيرة، حال رسوهم في المرفأ، وانتشارهم في المدينة.
يمكن لمسها بوضوح ويسر؛ فضمن نطاق وقتهم، شهر، أكثر أو أقل. إضافة إلى ترويجهم لبضائعهم، ينشرون بتلقائية، أشياء معنوية أخرى ذات قيمة، منها: الأغنية، والإيقاع، والأداة الموسيقية، ووجبة الطعام، بنكهتها الغريبة، ومذاقها الجديد، بيد أنها سرعان ما تنتشر لتثري المطبخ المحلي.
كما يترك، العابرون عبر الماء، إلى جانب فن التعاملات مع الناس في السوق، يخلفون أيضاً ملامح مشروعة في المكان، تمتد لأزمان.
يمتلك الفرد من هبات الميناء، ذهنية منفتحة على العالم. مزاج منبسط لا ينحسر أو يتعكر، ويتمايز به عن ابن الصحراء، أو ابن المدن المغلقة جغرافياً. حيث لا انفراجات لليابسة على البحر؛ فذاك تجده مبتسماً، لا مهموماً، ولا مهتماً بأي نطق فائضٍ عن مسار اتمام الصفقة في الميناء. وإذا ما تحادثت معه، ألجأك بتهذيب إلى الاختصار في القول، والإيضاح في المطلب، استثماراً للوقت.
الأفكار التي تنشأ قرب الماء. في مدن الموانئ، تكون فعالة أكثر، خلافاً لغيرها كتلك البعيدة في الصحراء أو الجبال. ممتلئة بحركية خاصة، وحيوية. بعضها يتميز بجعل المنسي مذكوراً، والقديم حديثاً فيه جدة. نلحظ ذلك في مهرجانات الماء التي تقام في العالم، وهي عدة.
منها في الصين، ومنها معرض هامبورغ للموانئ بألمانيا، الهادف إلى أحياء ميناء المدينة بصفته الأقدم عالمياً. تأسس سنة 1189. المهرجان بهذا المعنى إضاءة على عتيق المكان، كونه يحمل بذرة خلود يمكن تجديدها لتكسب المكان مناعة لا يبليها كر السنين. يظل الميناء البوابة الأقدم، التي تمكن الإنسان من اكتشاف العالم. قبل السؤال: ما العلاقة بين الجغرافيا والسلوك البشري؟ بتقديري أن العيش في بيئة متنوعة يعزز قيم التسامح وقبول الاختلاف.