قبل سنوات عدة أثناء زيارتي لجزيرة بورتوريكو، التي تعني بالمناسبة «ميناء الأغنياء»، الواقعة في المحيط الأطلسي تحديداً شمال شرق البحر الكاريبي قررت أن آخذ جولة صباحية في المدينة القديمة التي تدعى «سان هوان».
كم هي ساحرة هذه المدينة الممزوجة بالتراث الإسباني بلمسة من الروح اللاتينية المرتبة على الطريقة الأمريكية.
وفي أثناء انتظاري للحافلة الخضراء لتأخذني في جولة سياحية في المدينة العتيقة، صادفتني امرأة عجوز تقف على بعد 8 خطوات مني ناحية اليمين لا تتوقف عن التحديق بي.
ترددت في البداية في فتح حوار معها، ولكني اتخذت القرار بكسر الحاجز الجليدي وقدمت ابتسامتي الوردية وبادرتها التحية.
كانت سعيدة بمعرفة أنني من جنسية عربية كونها لأول مرة تقابل شخصاً من جنسية عربية، وكنت أنا أكثر سعادة منها واندهاشاً عندما علمت أنها أتمت السبعة وتسعين عاماً الأسبوع الماضي فقط، وأنها عملت كممرضة وعاصرت الحرب العالمية الثانية، ومحرقة الهولوكوست التي أبيد فيها الكثير من البشر على يد النظام النازي.
أتمت كلامها لي قائلة: «انحدر من أصول سويسرية، وانتقلت إلى بورتوريكو منذ أكثر من خمسين عاماً، بعدما تزوجت من رجل أمريكي الجنسية. أمد الله في عمري ورأيت الكثير في هذه الحياة، أتحدث ست لغات لهجتان من الألمانية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية والإسبانية».
كم ألهمتني هذه السيدة بروحها الجميلة المليئة بالحياة وإصرارها على القيام بأعمالها اليومية بمفردها ومن دون مساعدة، فهي ما زالت تتمتع بصحة جيدة.
لم تصدق عيناي أن المرأة التي تجلس بجانبي عاصرت أكثر الحروب دموية في تاريخ البشرية ويوماً ما كانت تطير فوق رأسها القنابل والطائرات المقاتلة!
قبل أن تغادرني قالت لي بلهجة ناصحة: عزيزتي، الحياة مليئة بالمفاجآت فقط كوني مستعدة!
ماذا لو كنا أكثر جرأة في فتح حوارات شيقة وذات معنى مع من نقابلهم في أسفارنا؟ ماذا لو تعلمنا شيئاً جديداً ولو كان شيئاً واحداً أو بسيطاً مع كل من نلتقي به؟