كان مفهوماً، أن تشهد منازلة فرد من قبيلة الماساي، أسداً مفترساً، باستخدام الرمح والسكين، في مواجهة مثيرة لا خيار فيها سوى الانتصار، لإبراز شجاعته أمام الجميع، من بينهم فتاته التي ستصبح زوجته. لكن شربه للحليب ممزوجاً بالدم، عند عقد قرانه، هذا ما استغربت له وقتها، وكنت سأسأل عن رمزيته، لكن لم أفعل.
وقبيلة الماساي، تمتهن رعي الأبقار والماعز، وتستقر في شمال تنزانيا، مدينة أروشا، ويتصف أفرادها بالطول اللافت - غير العادي - كأن يصل إلى 190 سنتميتراً، بأجساد ممشوقة، ورؤوس صغيرة، بعيون قرمزية، وأسنان حسنة الرصف، ناصعة البياض، دائماً ما تراهم يتقافزون إلى الأعلى، كطقس يومي، دلالة النشاط والحيوية.
عند عودتي إلى العاصمة دار السلام، وبها ميناء مركزي، يغذي عبر البر، عدداً من دول أفريقيا المغلقة - عديمة الشواطئ - التقيتُ بشخص من الماساي في الفندق، عمله الوقوف على الباب، بطوله الفارع، وملابسه المزركشة، يطغى عليها اللون الأحمر، كريم الترحاب بالسياح، ليلتقطوا صوراً تذكارية معه، فوجدتها سانحة لاستكمل معه حكاية رجل من الماساي.
على أني لم أقرأ عن قبيلة لا تزال مقيمة في أرضها، ترفض مبارحتها، أو انتقالها إلى غيرها من الأراضين، سوى قبيلة «الهونزا» في جبال الهمالايا، المشهورة بطول العمر والصحة الجيدة، وشعب الفايكنغ في الدول الاسكندنافية، الذي اشتهر بغاراته البحرية في أوروبا، وبالثقافة الغنية، وحضارة المايا القديمة، في أمريكا الوسطى، التي دامت لآلاف السنين، واشتهرت بالتقاويم الفلكية الدقيقة.
لكن قبيلة «الشيروكي»، الأكبر بين القبائل المعترف بها في أمريكا، تبقى الراسخة في التراجيديا التاريخية؛ فمن دون الأخريات، أجبرت هذه القبيلة، وتعدادها 300 ألف نسمة، على ترك أراضيها في القرن الـ 19، والتي تشمل أراضيها جورجيا وكارولينا وتينيسي، ما أدى إلى فقدانها لهوية أفرادها وأسلوب حياتهم؛ فالأرض بالنسبة لهم تتعدى قبور الأجداد والتاريخ والذكريات، إلا أن كل صخرة وشجرة روحاً حية، فقدانها بمثابة فقدان للذات نفسها.