«هندسة الموافقة» وبلورة الرأي العام

إدوارد بيرنيز المولود سنة 1891، خالهُ سيغموند فرويد عالم النفس المعروف. انتقلت عائلته إلى نيويورك في 1892، واختار الصحافة عملاً له، بعد تخرجه في كلية الزراعة بجامعة كورنيل. إبان الحرب العالمية الأولى، عمل بيرنيز في الإعلام الأمني، فكان أول من روّج لفكرة «أن حروب أمريكا وجهودها هي بغرض إدخال الديمقراطية إلى أنحاء أوروبا كافة».

نجاحه الترويجي هذا، لفت نظر الرئيس الأمريكي توماس ويلسون، فدعاه لحضور مؤتمر باريس للسلام 1919. لتبدأ مسيرته المثيرة.

لاحظ بيرنيز أن كلمة الدعاية، أساءت الحرب إلى سمعتها، فاستبدل بها مصطلح العلاقات العامة.

وكان يؤمن بأنه لا يمكن الاعتماد على حكم الناس، فغالباً ما يقوم الشعب بالتصويت للرغبة في الأمر الخطأ، فاهتدى إلى وجوب التحكم في الشعب عن طريق سلطة أعلى سمّاها المستبد الخيري.

وصل بيرنيز إلى استخدامه علم النفس، لخاله فرويد، في الحملات الدعائية، يعتمد فيها على فهم دوافع العقل الجماعي، للتمكن من السيطرة على الجماعات البشرية وبغير علمٍ منهم. سمّى العملية «هندسة الموافقة» في مؤلفه «بلورة الرأي العام».

من أشهر حملات بيرنيز، حملة نشر تدخين السجائر بين النساء، 1920. متخطياً أهم المحرمات الاجتماعية الأمريكية، آنذاك، وهي تدخين النساء في الأماكن العامة، فقد كان التدخين مسموحاً به للنساء في الأماكن الخاصة، والمرأة التي تخالف هذا الأمر تصبح عرضة للاعتقال.

نظم بيرنيز «مسيرة عيد الفصح» لسنة 1929 في مدينة نيويورك؛ فأحضر عارضات، وجعلهن يدخّنَّ سجائر «لاكي سترايك».

وأراد ربط العملية بقيمة الحرية، لجعلها تعيش أطول وتنتشر، فأطلق عليها «شُعلات الحرية».

بعدها ازدادت جرأة النساء في ممارسة التدخين بشكل أوسع، فباتت أمراً مقبولاً اجتماعياً.

نجح بيرنيز في ذلك بعد تحويله إلى خبر نشرته وسائط الإعلام، فقد أقنع تجار التبغ، بأن الأخبار لا الإعلانات، هي الوسيط الأكثر ملاءمة لإيصال الرسالة إلى الجمهور، بشكل لا يقبل التشكيك.