صديقان، أحدهما مثقف موسوعي، يجيد التحدث بطريقة جاذبية، والثاني مثقف موسوعي، لكنه يجيد الكتابة برشاقة وتأثير. الأول إن كتب، كتابته متواضعة غير مشوّقة، أما الثاني فإن تحدث، حديثه عادي غير جاذب. كيف فكرتُ بمحاولة معرفة ما أسباب الفرق؟ لا أعلم. لكن الموضوع بعد أن اكتمل، بدا لي جديراً بالقراءة، التي قد تبعث على التأمل.
يشير مصطلح المعرفة الموسوعيّة، إلى شمول معرفي يغطي موضوعات متنوعة، تشمل مجالات مثل العلوم، والتاريخ، والأدب، والفنون، والفلسفة، وغيرها. ويمكن تسمية الشخص الموسوعي بـ«الموسوعة المتحركة». ميزته، القدرة على فهم واستيعاب المعلومات من مجموعة مصادر متنوعة. ومفاعيل الثقافة الموسوعية باختصار: توسيع الآفاق، تنمية الفكر النقدي، تعزيز الإبداع، تحسين التواصل، وتطوير المهارات. وأما مصادر الموسوعيّة الثقافية فهي القراءة، والتعلّم المستمر، والمشاركة في المناقشات مع الآخرين.
بعد البحث، علمتُ بأن طبيعة التعبير الشفاهي - التحدّث - يعتمد على التفاعل الفوري مع الجمهور، ما يمكّن المتحدث من تعديل كلامه وتوضيحه، بناء على ردود المستمعين. واللغة غير الرسمية، أحياناً، التي قد يستخدمها المتحدث، تجعله كلامه أكثر مرونة، ما يسهل التعبير عن الأفكار. والتلقائية التي لا تتطلب تخطيطاً مسبقاً كما في الكتابة. ويمكنه استخدام الإيماءات ولغة الجسد.
أما طبيعة التعبير الكتابي، فتتطلب دقة ووضوحاً عند التعبير عن الأفكار، والكتابة غالباً ما تتطلب لغة رسمية بقواعدها الصحيحة. وكذلك فإنها تحتاج إلى تخطيط مسبق، ومراجعة دقيقة للنص. والكاتب لا يرى ردود فعل جمهوره بشكل مباشر، ما يقتضي منه توقع احتياجاتهم، والتوضيح الكامل لأفكاره.
إن المتحدث الموسوعي يركز على نقل المعلومات، أكثر من التركيز على أسلوب الكتابة؛ فقد قضى وقتاً طويلاً في القراءة، أكثر مما قضاه الكاتب في ممارسة فنون الكتابة.
مقطع القول: إن التحدث والكتابة، أداتان قيمتان للتعبير عن الفكر والمعرفة. والمثقف الموسوعي، الذي يتقن كلتا المهارتين، سيكون قادراً على مشاركة الناس علمه، والتأثير فيهم بشكل فعّال.