في نظرية الأشكال لأفلاطون، ثمة رأي في الجمال، يقول: «الجمال المرئي في العالم المادي، ما هو إلا نسخة باهتة عن الجمال المُطلق». ورغم أن هذا الرأي، لتواتره الشديد في كتب الفلسفة، لدى اليونانيين وقبلهم الإغريق، تبناه الكثير من الناس. لكن يظل السؤال: هل الجمال مطلق؟
المعاصرون من المفكرين لا يعتقدون ذلك، يميلون إلى أن الجمال نسبي. ومفهوم كهذا سائد في مؤلفات المحدثين، مضيفين لها الحب، محفزاً، وسبيلاً يورد سالكيه نهر المعرفة والجمال. عند ذكر الجمال، دائماً ما يذهب المخيال إلى المرأة، وإن توفرت مكونات الجمال فيما سواها من المخلوقات والأشياء الموجودة في الطبيعة من حولنا.
سئل سقراط من أحد طلابه يوماً: ما الجميل عند المرأة؟ فجاء رده مفاجئاً، قال: لا أعلم. في اليوم التالي، وكان قد طرح السؤال ذاته على أمه. قال للطالب: إن الجمال عند المرأة، هو الحُمرة التي تعلو خدها عند الخجل.
يرى كثيرون، يشاركهم المتصوفة، بأن الجمال هو في الناظر، الرائي، وليس في المنظور إليه؛ فما قد يراه شخص جمالاً، قد يراه غيره عادياً جداً. ولدى نجيب محفوظ عبارة بليغة، لعلها في «أحلام فترة النقاهة» ينهي فيها معاتبة المتيم. يقول: «لا تناقش العاشق فيما عشق». ويُفهم منها أن العاشق لن يستمع للكلام، وإن أوهمك بالاستماع، فهو لن يقتنع؛ فهو الناظر هنا، والعاشق، ولست أنت، اللائم العذول.
شاعر العامية بشير فحيمه التونسي، انتبه لهذه المسألة، عندما كتب كلمات لأغنية، أداها الفنان الهادي الجويني. تقول: «لاموني اللي غاروا مني/ قالوا لي ويش عاجبك فيها/ جاوبت اللي جهلوا فني/ خذوا عيني شوفوا بيها». العين وليس المستنظر.
يظل الجمال نسبياً، ومحدوداً، معاييره في تفاوت مستمر، تختلف من بلد إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى. بخلاف الحسن المطلق، فهو الكامل، ويعد الجمال درجة من درجاته، ليس إلا، بدليل أن الحُسن في القرآن الكريم إنما أطلق على أسماء بعينها لا يحق لغيرها أن تكونه أو تتمثله.