لم يعد مبنى البريد مغرياً أبداً، حيث كان يقصده الناس، ويعتبرونه مكاناً أليفاً. في أيامنا الغابرة، كنا نقصد مبنى البريد لعمل الاتصالات الهاتفية الدولية، وأحياناً لشراء وجبة جديدة من الطوابع البريدية التي وصلت تواً. هل تتذكرون معي هواية جمع الطوابع أم طواها النسيان؟

عندما ذكرت أحد الزملاء بهذه الهواية، صاح بي: صح النوم، أستاذ، أية طوابع تتحدث عنها. فقلت له: ألم تكن الطوابع البريدية تجسد أفراحنا وأتراحنا ومناسباتنا وأعيادنا؟

وهنا قال لي: أتحداك إن كنت تعرف مبنى البريد في منطقتك؟

فكرت قليلاً: ثم قلت به: بالفعل. أجهل أين يقع مبنى البريد.

ثم كرر عبارته: صحّ النوم، أستاذ. وبالفعل صحوت من النوم. ولكن الرسالة التي جاءتني من دار النشر هي التي ذكرتني بمبنى البريد، فقد أكدت لي سكرتيرة دار النشر في بيروت التي تطبع روايتي الجديدة، ضرورة إرسال العقد المبرم بيننا عن طريق البريد، فكتبت لها: بأنني أرسلت لهم نسخة إلكترونية وموقعة.

فقالت: إن الدار لا تقبل النسخ الإلكترونية لأسباب قانونية وكأن هناك لا تزال قوانين بين الناشر والكاتب.

سألت الكثيرين عن مبنى البريد في منطقة الورقاء دون أن يعرف أحد أعثر عليه للوهلة الأولى. لكنني أعرف البريد المركزي لأنه يوزع بطاقة الهوية وإلا كنت أجهله.

ثم تذكرت أن أشياء كثيرة أصبحت في طيّ النسيان: مبنى البريد، الآلة الكاتبة، ماكنة الخياطة، دفتر التلفونات، الفحم، الكتابة بخط اليد، الأقلام، الكاسيت، الأسطوانات، الفلوبي، الغرامافون، الراديو، ألعاب الطفولة، حيث يسألني ابني: هل كان لديكم لعبة «بلاي ستيشن» و«لوي» و«إكس بوكس»؟ قلت له ساخراً: كان لدينا لعبة «الكعاب».

في الماضي كان الآباء يحكموننا والآن الأبناء هم الذين يحكموننا، أليس كذلك؟