تدق اليوم الطبول وتعانق الزغاريد السماء في سيناء جذوة السناء، وخيمة الأنبياء، في افتتاح قناة السويس الجديدة، معيدة شجناً وجدانياً وروحياً حميماً، يلامس تطلعات الضمائر، وصدى عميقاً قوياً لذاكرة العروبة، يتلألأ فيه نجم الوحدة تومض التماعاته تهتدي درب مداراتها، بعد أن كادت تضيع.
حدث اليوم حدث تاريخي يخرج العرب من شططهم المعاصر وذاكرة الوجع والخلاف، ويستدرج الإحساس الكبير بتداعيات تاريخية، إذ يعيد صوت العرب نقي الهوى والهم، صوتاً أجش عذباً مختزناً تسربل من التاريخ جلباباً بهياً، برز فيه ناصر يعلن جمال تأميمها.
صوت ينعش ذاكرتنا ببريق ساطع؛ في يوم صيفي من أيام 1956 حين التصقت الآذان بأجهزة المذياع، وأعلنت حالات الطوارئ في الشوارع العربية، وتسمر الناس وجلاً من المحيط إلى الخليج ينتظرون لجة البشرى، فغمرتهم موجتها هادرة من »صوت العرب« تنشد ملحمة السويس أغنية وطنية وقومية رقصت على بحر الحناجر، قمر فخر أضاء سماءهم، وعقد عز زان عنق مصر الفاتنة، ولآلئ اختارها الشعراء فصوصاً لقصائدهم، وتمثلها الفنانون زينة في دررهم الخالدة.
من طور سيناء، تصطلي رمزياته القدسية عميقاً في جذوة الروح، وذراه الممتدة الجذور على جوانب اليم سطرت القناة قصة الحرية والتضحيات فكانت رمزاً للنضال، أشعل الحماس وكسر جبروت الطغيان الثلاثي، المتآمر على سيادة شرايين الماء والحياة.
فوحدت الكرامة العرب فردوا قطاع الطريق عن مورد الماء، كما تصف قصيدة »رسالة من جندي في جبهة السويس« لنزار قباني، كما سطرت بورسعيد رسائلها بالنار حرفاً بمعركة البقاء؛ فامتزجت البطولة بالجراح في مصنع الأبطال، فمآثر السويس عديدة، وقناتها رمز سيادة وتاريخ، فهي ملحمة شعب وأمة ومكتسبات أجيال، فحفظ الله قلب العرب النابض، حفظ الله مصر وأهلها.