لذاكرة المدن وهج متدفق، وتراسيم ونقوش تطبعها الأمكنة، وشكل المباني وطراز المعمار وحكايات التاريخ والجغرافيا، ومن تلك المدن التي تعد اليوم من أهم المتاحف المعمارية المفتوحة، مدينة الدار البيضاء المغربية، أو »كازابلانكا«، التي وصفت بجنة الثلاثينيات، حين كانت حقلاً تجريبياً لطلبة كليات الهندسة المعمارية الأوروبية وخريجي الفنون الجميلة، مطلع القرن العشرين، قدموا فيها إبداعاتهم.

في قلب المدينة الصاخبة، تكاد تتداعى اليوم العديد من المباني والعمارات الكولينيالية، التي أصبحت من تراث المدينة، صممها جهابذة في مجال المعمار، حين نذكرهم، كأننا نذكر بيكاسو - مثلاً - في التشكيل، وتعد اليوم من التراث العمراني الإنساني المعاصر الذي يجب صونه.

فندق لينكولن، الذي صممه المهندس هيبير بريد 1917، وفندق آنفا، الذي اجتمع فيه روزفيلت وتشيرشل في مؤتمر خلال الحرب العالمية الثانية، وعمارة »الكلاوي«، وغيرها.

بنايات عديدة وأسماء أصبحت مشهورة، مثل موريس بويير، وجابين بير، وجان فرانسواز زافاكو، وغيرهم من المحترفين الذي خبروا الإبداع في فضائها المفتوح، وقد تمازجت التفاصيل فأثمرت أشكالاً هندسية جديدة، تم فيها استدعاء زخرفات الموريسكيين، وهندسة العمارة الإسلامية، وتحررت من الطراز الباريسي، كما هو بين في حي »الحبس« الذي أبدعه المهندس ميشيل إيكوشار »مهندس مدينتي دمشق وبيروت«، وأتم هذا الحي العصري بطابع مغربي خالص 1952.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد انتشرت على شواطئ المدينة فيلات ذات طابع كاليفورني، قدمت نماذج ذات ذوق برجوازي.

الصورة الأسطورية، التي رسمتها السينما للمدينة، من خلال فيلم مايكل كورتيز »كازابلانكا« 1942، حركت خيال المغامرين والحالمين، وجعلت من المدينة، جنة المعمار ولؤلؤة الأطلسي الخلابة.