كانت مصر على رأس قائمة «العقد العربي المنفرط»، عندما هبت على الوطن العربي في عام 2011، رياح الفوضى بوجه كالح، وصفوه ظلماً بالربيع، وادعوا بهتاناً بأنه الذهاب إلى التغيير من الاستبداد إلى الحرية، ومن الركود والتخلف إلى النمو والتقدم.

فكانت النتيجة في دول عربية انجرفت شعوبها نحو تصديق تلك الكذبة الكبرى، وكان المصير دامياً وموجعاً، وصارت النتيجة، تفكيك الدول بعد تدميرها واستباحتها، كما في سوريا وليبيا واليمن، وما جرى، ولا يزال، في العراق. تعطلت هذه الحواضر العربية العريقة، وتبخرت قواها التي ظلت طويلاً تمثل رصيد العرب وأسوارها العالية.

وسرعان ما انهارت تلك الأسوار، وخارت القوى، وتبعثر الرصيد، عندما غابت الحكمة، وكثرت الرؤوس، وتضاربت المصالح الحزبية والفئوية، مع المصلحة الوطنية العليا. أقحمت مصر في ذلك النفق، ولكنها سرعان ما فهمت الرسالة، واستردت وعيها، واستعادت قوتها، فأمسكت بزمام المبادرة، وأعادت قطارها إلى سكته.

لم يكن لهذه العودة أن تتم، لولا الصفات الخاصة التي تميز بها الشعب المصري على مدار التاريخ. صفات تعكس طبيعته اللينة المرنة، التي جعلته مع تقلبات الأيام، أن يحافظ على خصوصيته ويحمي هويته. هذه المرونة الواعية، وجدت في الحكمة والميل إلى المراجعة سلوك وطريق يزيد التجربة ثراء.

بعد ثورة يناير 2011 وما تبعها من أحداث جسام، وتداعيات كبيرة، كادت أن تعصف بالمجتمع المصري، صعد شعار «الدولة المصرية»، ليفرض على الجميع التوقف وإعادة التفكير، فربحت مصر بحكمتها، وخسر من جعل مصلحة «الجماعة» فوق مصلحة الدولة، وعادت الدولة المصرية تستعيد حركة شوارعها، وحياتها التي تصل الليل بالنهار.

وخلال شهر مارس الجاري، يذهب الشعب المصري لانتخاب رئيسه لأربع سنوات مقبلة. وبالرغم مما أثير حول هذه الانتخابات، فإن المحصلة تعني أن الدولة راسخة، والحركة مستمرة، والعربة مستقرة على سكتها.

وأي حديث عن التغيير وتعديل المسار نحو الأفضل في المستقبل، يأتي في ظل الاستقرار وحفظ الأمن وحماية حركة الحياة، وعدم تعطيل مسيرة التنمية. على هذه القاعدة، يتفق أغلب المصريين، ولأجل ذلك الهدف يعملون، ومصر ومصالحها وقوتها وهيبتها، هي همهم ورجاؤهم.