مع إطلالة قناة الجزيرة في نوفمبر 1996 التي تبث من قطر، تغيرت صورة وسياسات إعلامية عدة في المنطقة، بلا شك كان مطلوباً أن تدفع مثل هذه القنوات حالة تغيير سواء لتكون بجانب الشعوب التي سئمت صورة الإعلام القديم.

وتغير مع دخول قناة الجزيرة بيئة عمل كثير من المؤسسات الإعلامية، وهو ما شكل مرحلة انتقالية تقبلتها الشعوب بشغف خاصة وأن شعار "الرأي والرأي الآخر" كان هدفاً للقناة والقائمين عليها مع بداياتها في فضاء الإعلام العربي عامة والخليجي خاصة.

ومع دخول الربيع العربي انتعش سهم قناة الجزيرة كثيراً ولعبت دوراً كبيراً بجانب حراك الشعوب العربية التي طفح بها الكيل من الحكم الدكتاتوري، ودخلت "الجزيرة" طرفاً في حرب الشعوب ضد حكامها وهو ما جعلها قناة الشعوب العربية، بعد حرق جسد البوعزيزي، ومغادرة بن علي "هارباً" من تونس، لتنقل "الجزيرة" الحدث لمصر في ثورة 25 يناير مما أثمر عن رحيل مبارك، وبعدها تحركت نحو القذافي وعلي صالح والآن في سوريا ضد بشار الأسد. وحتى هنا كان الأمر طيباً ومتقبلاً من العرب جميعاً خاصة بعد سقوط تلك الدكتاتوريات، لكن جاء انقلاب "مهنية الجزيرة" مع ثورة شعب مصر ضد "الإخوان" بعد أن طفح الكيل بشعب مصر وأرضها الغالية، ليأتي يوم "تمرد" في 30 يونيو ضد مرسي وجماعته، لكن الجزيرة تصر حتى اليوم أنها مع الشرعية التي فقدت مع خروج المصريين في ميدان التحرير، مطالبين برحيل مرسي.

وحينما يأتي دور "الجزيرة" الذي كان يفترض أن يكون حرفياً بعد تجارب عدة طوال السنوات الماضية، لكنها وضعت نفسها في مأزق، بعد أن لعبت دوراً غير الدور ونهجاً غير النهج الذي يفترض أن تقدمه للمشاهد والمتابع، لقد باتت الجزيرة وكأنها هي من تقود ثورة الشعوب وتوجههم كيفما تشاء وفق مصالح بات يدركها كثيرون، حتى انكشفت أمام الرأي العام العربي لأنها باتت مثل الدول العظمى تكيل الكيل بمكيالين وتنحاز لمصالحها حسب أجنداتها.

وهو ما أكده زملاء إعلاميون يعملون في الجزيرة، فقد انحازوا لمصر "العظمى" وليس للجزيرة "الصغرى"، لانتشال بلادهم وأنفسهم من الغرق في وحل "الإخوان".

غياب المهنية في قناة الجزيرة بدأ يتدرج بعد أن انحازت لجماعة صغيرة وتركت أغلبية الشعوب التي جعلت من الجزيرة بطلاً في ميدان الإعلام العربي والدولي في وقت ما.

اليوم كلنا نتحسر على الجزيرة التي كانت بحق في فترة ما مدرسة في نقل الخبر والحيادية والرأي والرأي الآخر. لكن يبدو كما يقال الوصول إلى القمة سهل لكن المحافظة على ذلك التربع صعب وهو ما تمثله قناة الجزيرة في يومنا هذا. نأمل أن تعود "الجزيرة" إلى حضن الشعوب العربية وليس التقوقع في فكر الأحزاب الصغيرة، كما هي الآن.