باعتدائه الهمجي الأعمى على متحف الموصل التاريخي، يضيف تنظيم «داعش» الإرهابي جريمة جديدة إلى سجل جرائمه السوداء التي لم تسلم منها المقدّسات الدينية من جوامع إلى كنائس إلى مقامات أنبياء، وكذلك المخطوطات والكتب التاريخية التي أحرقها التنظيم في مكتبة الموصل.

لنرتفع قليلاً ونوسّع النظر إلى مشهد الجريمة الجديدة، سنرى أن مجموعة متحف الموصل تغطي كل مراحل الحضارة في المنطقة، من منحوتات للمدن الملكية وآثار آشورية تعود بتاريخها إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين. ماذا يعني هذا غير المؤامرة المبيّتة لقتل حضارة وتاريخ الأمة ووجودها نفسه؟ ألا يسهّل قطع الجذور مع التاريخ الانقضاض على الحاضر والمستقبل؟.

هذا ليس فعلا دينيا يرضي الله، إنما فعل يخدم أعداء الأمة وواضعي الخطط لإخراجها من التاريخ، بعدما أخرجت من الجغرافيا الموحّدة، ذلك أن آثاراً عمرها آلاف السنين مخزن تاريخ وحضارة. عندما تصبح هدفاً لمعاول الظلام تدمرها بدم بارد فإن هذا الفعل غير آدمي وغير إنساني.

مع ذلك نجد أنفسنا مضطرين لتنحية العجب جانباً كما ننش الذباب، ذلك أن من يجز رقاب البشر ويحرقهم أحياء لن يتردد في تحطيم قطعة حجر أثرية إذا استعصى عليه تهريبها وبيعها.

هذا الهجوم الأعمى على فن عظيم وعلى تاريخ البشر ووعيهم، يذكّر من يريد أن يتذكّر ولا يهرب من الذكرى، بأولى نتائج سقوط بغداد عندما كانت المتاحف أول ضحايا احتلال بلاد الرافدين. كانت المتاحف مستهدفة قبل المعسكرات والقصور.

لقد أزفت ساعة الحقيقة منذ زمن، وآن الأوان لوقف الهروب للأمام، فيما الخطر يهدد بحرق الأخضر قبل اليابس. خطر يستوجب موقفاً موحّداً من كل حريص على مستقبل هذه الأمة. هذه المجاميع الظلامية تثبت كل يوم أنها عدو للأمة كلّها، بكل طوائفها وألوان طيفها، بكل ماضيها وحاضرها ومستقبلها. وإذا لم نصح مما نحن فيه، فإننا سنستعيد المغول والتتار بأيدينا.