الإنسان الحكيم في حياة متسارعة، هي أشبه بالمد والجزر، لا ينتظران أحداً، عليه مراجعة أفكاره، قناعاته، السبل التي سلكها، وطرائق تنفيذه لأموره. فالانتقال إلى المستقبل محملاً بأخطاء الماضي وإخفاقاته، مهمة ثقيلة ومنهكة للكاهل، لذا عليه، وبشجاعة، دراسة المواقف والقرارات التي خلّفت له ندوباً، وفيضاً من الندم، ليعرف كيف وقعت الأخطاء والأحداث وما أسبابها؟ وكيف يمكن منع تكرارها؟
وكيف بالإمكان الاستفادة منها عبر استلهام خطط بديلة جديدة، تحمل قدراً من الحداثة والابتكار، يحقق بها أهدافاً اجتماعية تفيده شخصياً، وتصب في النهاية في المصلحة العليا لشعبه ووطنه، وقد تسهم في بلورة تجربة إنسانية يفيد العالم منها.
وفي السياق، يقتضي استحضار أحداث تاريخية ومواقف، برغم التفاوت بطبيعتها وزمان وقوعها، سياسية كانت أو فكرية، فردية، أو عسكرية على مستوى الدول، كقرارات الحروب، التي تظهر كيف يمكن للأخطاء التكتيكية أن تؤدي إلى خسائر كبيرة، وتتغير نتائجها لمصلحة الخصوم؛ فمن الأمثلة: معركة المنحدرات الحمراء عام 208 م.
القائد الصيني تساو تساو ربط فيها سفنه بعضها إلى بعض، معتقداً أنه سيقلل تأثير دوار البحر على جنوده، إذ لا عهد لهم بالبحر، فكانت النتيجة استهدافها من الجنوبيين - الخصوم، بهجمات نارية فاحترقت كلها. عملية بارباروسا عام 1941، غزى فيها هتلر الاتحاد السوفييتي، وارتكب أخطاء قاتلة، كإساءة تقدير قوة المقاومة الروسية، والطقس الثلجي القاسي، وعدم تهيئة الجيش الألماني لقتال الشتاء، فكانت النتيجة هزيمة مدوية.
معركة بواتييه أو بلاط الشهداء عام 732 م، قادها عبدالرحمن الغافقي على رأس جيش من الأندلس، ضد الجيش الفرنسي يقوده شارك مارتل. تغلب الجيش الأندلسي على الفرنسي، ولما بانت مطالع النصر واضحة للرماة الأندلسيين، وكانوا متخندقين في المرتفعات الحيوية، تركوا مواقعهم وهبطوا بطن الوادي، مقدمين بذلك ثغرة استراتيجية للعدو، اندفع منها للالتفاف على الجيش الخصم، وتغير واقع الميدان، فكانت النتيجة هزيمة منكرة بعد نصر كان شبه محتوم.