كان عليّ التصالح مع فكرة أن الاستغناء عن الاحتياج للآخرين، لا يعني العزلة التامة عن الناس؛ فجعلت العزلة للضرورة. ولكل ضروراته. صحيح، أول ما يتجلّى في الاستغناء عن حاجة الآخرين، قدرة الشخص على الاعتماد على نفسه، بعد الله أولاً. لكن الحفاظ على العلاقات الإيجابية مع البشر، أمر يصعب التخلّي عنه.
صحيح أيضاً، أن الاستغناء عن حاجة الآخرين، هو من أسباب العزّة في الدنيا؛ فإذا نفذه الشخص، حافظ على قدره بين الناس، ونأى عن قلة القيمة في عيونهم. مانحاً نفسه راحة بسعة السماء. إن أحدنا لا يكاد يتصور، مدى ثقل وحجم الضغوط والقلق الذي يخلفه شدة التعلّق بالآخرين. بتوقعاتهم أو آرائهم.
إن الاعتماد على القدرات الذاتية، يزيد في ثقة الشخص بنفسه. هذه حقيقة. ويعينه على مواجهة أفضل مع تحديات الحياة. يصبح أقوى. المفكر زكي نجيب محمود، يقول في هذا المعنى: «احذر قوة المستغني». جملة واضحة لا تحتمل تأويلاً؛ فثنائية القوة والضعف هنا تقابل ثنائية الطمع والحاجة. هذه الثنائية هي التي تمنع من أن يكون الشخص حراً. هي أشبه بالقرادة التي تشلُّ عضلة الحصان فلا ينطلق. الناس دائماً ما تخشى من لا أمل عنده فيهم. دائماً ما يحذرون شخصاً كهذا.
الإنسان الحر، أكثر قدرة على اتخاذ القرارات، كونه لا يخضع لضغوط الآخرين أو آرائهم. هو مستقل، لذا هو أكثر إنتاجاً وفائدة؛ فإرضاء الآخرين أو الاعتماد عليهم، لا يمكّنان الإنسان من التركيز على أهدافه وأولوياته، يجعلانه متردداً و«مؤجلاتياً»- إن جاز التعبير - وسيكتشف، متأخراً، أنه قد سوّف بأنفس ما يملكه: عمره وحياته. ومعلوم، أنه ليس للإنسان يد في إطالة عمره، بيد أن توسعة حياته وتعميقها في شتى الاتجاهات، ورفدها بفضاءات متعددة ومتنوعة باعثة على البهجة والاستمرار، هي في نطاق إرادة الإنسان، وضمن مسؤولياته؛ فمن المروءة ألا تكون محتاجاً، ومن النبلِ أن تكون عزيزاً؛ فإنما الأمور تجري بمقادير.