عالمية الأدب أو عولمته (2-2)

من الآثار العالمية الخالدة، والمشرقة في تراثنا الأدبي؛ كتاب «طوق الحمامة» للإمام البارع المتفنن ابن حزم الأندلسي (456هـ)، رحمه الله، حيث شرح فيه أصول الحب، ونوازعه، وأعراضه؛ المحمودة، والمذمومة، وتعرض لأطواره، وأحواله، وتحدث عن آفاته، وما يعتريه من حسن وقبح، مدللاً على ذلك بتجاربه الخاصة.


أبا عليّ لقد طوّقتني مِننا... ‌طوق ‌الحمامة لا تبلى على القدم
ويرى جملة من المستشرقين في جامعة ليدن أن مخطوط طوق الحمامة حط رحاله في ليدن نحو عام 1665م. وقالت «كروك-أستاذة اللغة العربية بجامعة ليدن» إن طوق الحمامة يتميز بأسلوبه العالي، وطرحه الجريء، وإن تركيز مؤلفه على تجربته الخاصة، وتجارب المقربين من حوله، زادت في قيمته الأدبية والعلمية.

ولا غرو فإن الكتاب ينقل ثقافة العرب في إسبانيا، وأن ما جاء فيه شجع الأستاذة «كروك» وحملها على زيارة الأماكن التي عاش فيها ابن حزم لتستذكر حياته وذكرياته فيها. وقد تُرجم إلى اللغات العالمية الحية، وصار مرجعاً لكثير من الدراسات التي جاءت بعده. مثل «كتاب الحب» لكابيللانوس، و«الحب الفاضل المحمود» لخوان رويث، أو «عن الحب» لستندال.


أما دانتي الشاعر الإيطالي؛ أحد أعمدة الأدب الإيطالي، وأحد مؤسسي النهضة الأدبية الأوروبية؛ فقد تأثر به ‌في كتابه «الحياة المتجددة» ومن بعده تأثر به أدباء الإسبان وشعراؤهم.
ولعل السبب في عالمية «طوق الحمامة» يرجع إلى أنه دراسةٌ تحليليةٌ نفسيةٌ عميقةٌ للحب العذري، وتسجيل صادق وأمين لتجارب المؤلف وتجارب معاصريه، الذين أخفى أسماءهم حيناً، وصرح بأسمائهم حيناً، وصراحته فيه تسمو إلى العاطفة الإنسانية الخالدة، وترتفع عن صغائر الغريزة الدنية.


وقد توقع ابن حزم ـ وهو يكتبه ـ بصراحة استنكار بعض المتزمتين؛ بحجة: أنه خالف طريقته، وتجافى عن وجهته فقال: وما أحل لأحد أن يظن فيّ غير ما قصدته!
ولعل هذا الجزء الصريح من الكتاب هو أقوى ما فيه، وهو ما أوصله إلى العالمية والخلود، وتجاوز به الحدود والسدود.