<p class='article-text'><div data-empty="false">اشتهر الشعراء بألفاظ معينة لازمتهم مدى الحياة، وقال صاحب العمدة «ابن رشيق»: «وطائفة نطقوا في الشعر بألفاظ صارت لهم شهرة يلبسونها...».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ومنهم دِعْبِل الخُزَاعي (توفي 246 هـ)، قال عنه ابن خلِّكان في ترجمته: «كان بذيء اللسان، مولعاً بالهجو والحطّ من أقدار الناس، وهجا الخلفاء؛ الرشيد، والمأمون، والمعتصم، والواثق»، فكان يقول: «لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك!».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ودِعْبِل الخُزَاعي واسمه عبد الرحمن، لكن لقبته دايتهُ لدعابة كانت فيه، فأرادت تسميته ذعبلاً فقلبت الذال دالاً.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ومنهم كذلك أحمد بن علي بن محمد الكناني (577 هـ)، شاعر مجيد من أهل إشبيلية. اتهم في صغره بسرقة الشعر، فغلب عليه لقب (اللص) وشعره (مدوّن).</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ومنهم مسلم بن الوليد (توفي 208 هـ) المعروف بصَرِيع الغَوَاني، وهو شاعر غزل، أول من أكثر من (البديع)، وتبعه الشعراء فيه. نزل بغداد، فأنشد في الرشيد العباسيّ قوله:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">هلِ العيشَ إلا أنْ تروحَ مع الصبا</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وتغدو صريعَ الكأسِ والأعينِ النجلِ</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فلقّبه بصريع الغواني، فعرف به. فهجاه بعضهم فقال:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فما ريح السَّذَابِ أشد بغضا</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">إلى الحيات منك إلى الغواني</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">قال الجاحظ: «والأفاعي تكره ريح السّذاب والشّيح، وتستريح إلى نبات الحرمل».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ومنهم مُجتني المروءة، وهو عبد الله بن أحمد الحنفي، وكان صديقاً لابن المقفع، وإنما لقب بذلك لكثرة ذكر المروءة في شعره وقوله:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">لا تحسبن أن المرو... ءة</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">مطعم، أو شرب كاس</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">أو في الولاية والموا... كب</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">والمراكب، واللباس</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">لكنها كرم الفرو... ع،</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">زكت على كرم الأساس</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وقوله أيضاً:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ليس المروءة بالدراهم</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">بل المروءة بالمكارم.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ومنهم عُوَيْف القَوَافي (توفي 100 هـ)، وهو عويف بن عيينة. وسمي بذلك لأنه قال:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">سأكذبُ منْ قد كان يزعمُ أنني</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">إذا قلتُ قولاً لا أجيدُ القوافيا</div></p>

أسباب الأسماء 2-2

<p class='article-text'><div data-empty="false">قال ابن رشيق القيرواني (ت 463 هـ): «..وطائفة نطقوا في الشعر بألفاظ صارت لهم شهرة يلبسونها، وألقاباً يدعون بها فلا ينكرونها».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وعُدّ من عيون الشعر، لاحتوائه على فصيح اللفظ، وصحيح المعنى، ونضح بالحُسن، وفاض بالجمال، واشتمل على أوصاف التمام ونعوت الكمال.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وقد عقد ابن دريد بابا في (الوشاح) لمثل هؤلاء.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ذكروا أن عبد الله بن مصعب بن ثابت (عائد الكلب)، أبو مصعب الزبيري: وأصله من المدينة، كان نديماً، ووالياً للخليفة المهدي، والهادي، والرشيد، (ت 184 هـ).</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">قال يوماً:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">مَا لِي مَرِضْتُ فَلَمْ يَعُدْنِي عَائِدٌ</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">مِنْكُمْ وَيْمَرضُ كَلْبُكُمْ فَأَعُودُ؟!</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وَأَشد من مرضِي عَليّ صدودكم</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وصدود عبدكم عَليّ شَدِيد</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فلقِّب لشعره هذا بـ«عائد الكلب». ولقب بنوه «بنو عائد الكلب».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">قال السمين الحلبي: «وهو من الألقاب المشهورة».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">كذلك شاس بن نهار لقب بالممزّق، لقوله لعمرو بن هند:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فإن كُنْتُ مأكُولاً فكُنْ أنت آكِلِي</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وإلاَّ فأدْرِكْنِي وَلَمَّا أُمَزَّقِ»</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">أي إن كنت مظلوماً فتولّ أنت ظلمي، فظلمك أحبّ إليّ من ظلم غيرك.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فَلَمَّا سَمِعَ النُّعْمَانُ قَوْلَهُ قَالَ: لَا آكلُكَ، وَلَا أوْكِلُكَ.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وجرير بن عبد المسيح، غلب عليه المتلمس لقوله:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فهذا أوان العرض حيّ ذبابه</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">زنابيره والأزرق المتلمّس</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وعمر بن رياح السلمي، والد الخنساء، غلب عليه الشريد لقوله:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">تولّى إخوتي وبقيت فرداً</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وحيداً في ديارهم شريدا</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وربيعة، من ولد عمرو بن عدس بن زيد بن عبد الله بن درام، لُقب بمسكين الدرامي لقوله:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">أنا مسكين لمن أبصرني</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ولمن حاورني جد نطق</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فلما سمي مسكيناً قال:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وسميت مسكيناً وكانت لجاجة</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وإني لمسكين إلى الله راغب</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وربيعة بن سعد، سميّ بالمرقّش لقوله:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">الدارُ قفرٌ والرسومُ كما</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">رَقَّشَ في ظهرِ الأديم ِقلمْ </div></p>

أسباب الأسماء 1 ــ 2

<p class='article-text'><div data-empty="false">سئل الرافعي عن كُتبِ الأسلوب البليغ وكيف تقرأ؟. فأجاب جواب العارف الخبير الذي درس الأدب درس استيعاب وتحقيق وتدقيق، دراسة من استقصى فنونه، وحفظ غرره وعيونه، ودرر نثره، وبديع مِلَحه، مما مكنه الوقوف على أساليب الفحول والكهوف؛ من شعراء، وكُتاب، فأحاط بمناحيهم، وسبر غور طرائقهم، حتى أصبح صدره هو خزانة أدب، ومتخصص في ارتشاف الضرب من لسان العرب، فسبق الكل في معرفة حفظها، وروايتها، والوقوف على أسرارها.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">قال لتلميذه: الإنشاء: لا تكون القوة فيه إلا عن تعب طويل في الدرس وممارسة الكتابة، والتقلب في مناحيها والبصر بأوضاع اللغة،... وهذا العمل لا يتم للإنسان في أقل من (20) سنة. فالكاتب لا يبلغ أن يكون كاتباً حتى يقطع هذا العمر في الدرس وطلب الكتابة.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فإني أوصيك أن تكثر من قراءة القرآن، ومراجعة الكشاف، وإدمان النظر في صحيح البخاري، ثم قطع النفس في قراءة (كليلة ودمنة، واليتيمة، والأدب الصغير)، ثم رسائل الجاحظ، والبخلاء، ثم (نهج البلاغة)، ثم إطالة النظر في كتاب (الصناعتين)، و(المثل السائر)، ثم الإكثار من مراجعة (أساس البلاغة). فإن نالت يدك مع ذلك كتاب (الأغاني) أو أجزاء منه و(العقد الفريد)، و(تاريخ الطبري)، فقد تمت لك كتب الأسلوب البليغ.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">اقرأ القطعة مراراً كثيرة ثم تدبرها، وقلّب تراكيبها، ثم احذف منها عبارة أو كلمة وضع من عندك ما يسد مسدها، ولا يقصر عنها واجتهد في ذلك، فإن استقام لك الأمر فترقَّ إلى درجة أخرى، وهي أن تعارض القطعة نفسها بقطعة تكتبها في معناها، وبمثل أسلوبها، فإن جاءت قطعتُك ضعيفة فخذ في غيرها ثم غيرها، حتى تأتي قريباً من الأصل أو مثله.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">اجعل لك كل يوم درساً أو درسين على هذا النحو، فتقرأ أولاً في كتاب نصف ساعة، ثم تختار قطعة منه فتقرأها حتى تقتلها قراءة، ثم تأخذ في معارضتها على الوجه الذي تقدم،... ومتى شعرت بتعب فدع القراءة حتى تستجم، ثم ارجع ولا تهمل جانب الفكر والتصور وحسن التخييل. </div></p>

رسائل الرافعي 2-2

<p class='article-text'><div data-empty="false">قليل من الناس من يعرف أنّ هذا الكتاب الفذ هو من كتب الرافعي، وأقل منهم من يعرف قيمة هذا الكتاب!</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وقد يُفهم من عنوانه أنه مجرد رسائل أخوية، ولا يعلم أنها اشتملت على كثير من آراء الرافعي؛ الصريحة، والجريئة؛ في الأدب والسياسة والحياة والناس، وفيها فوائد جليلة للأدب والمتأدبين وما تحتوي عليه من تفصيل شامل وتصوير دقيق للحياة الأدبية في عصر الرافعي.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">كان أبو رية يكتب إلى الرافعي يسأله عن كثير من شؤون الأدب، فيجيبه بآراء موجزة بحسب طبيعة الرسائل الخاصة، وكان الرافعي يرسل نفسه على سجيتها، لا يكاد يخفي شيئاً مما يحسه ويشعر به.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">قال لتلميذه: إنك تريد امتلاك (ناصية الأدب)؛ فينبغي أن تكون لك مواهب وراثية تؤديك إلى هذه الغاية، وهي مما لا يُعرف إلا بعد أن تشتغل بالتحصيل زمناً، فإن ظهر عليك أثرها وإلا كنت أديباً كسائر الأدباء الذين يستعيضون من الموهبة بقوة الكسب والاجتهاد، فإذا رغبت في أقرب الطرق إلى ذلك فاجتهد أن تكون مفكراً منتقداً. </div></p><p class='article-text'>وعليك بقراءة كتب المعاني قبل كتب الألفاظ، وادرس ما تصل إليه يدك من كتب الاجتماع والفلسفة الأدبية في لغة أوروبية أو فيما عرب منها، واصرف همك عن كتب الأدب العربي بادئ ذي بدء إلى (كليلة ودمنة)، و(الأغاني)، و(رسائل الجاحظ)، و(البيان والتبيين). وتفقه في البلاغة بكتاب (المثل السائر).</p><p class='article-text'>وهذا الكتاب وحده يكفل لك ملكة حسنة في الانتقاد الأدبي وقد كنت شديد الولوع به، ثم عليك بحفظ الكثير من ألفاظ كتاب (نجعة الرائد) لليازجي و(الألفاظ الكتابية) للهمذاني، وبالمطالعة في كتاب (يتيمة الدهر) للثعالبي و(العقد الفريد) لابن عبد ربه وكتاب (زهر الآداب)، الذي بهامشه. وأشير عليك بمجلتين تعنى بقراءتهما كل العناية (المقتطف) و(البيان).</p><p class='article-text'><div data-empty="false">ومن جميل ما يروى ذكر قصيدة التبرج (ص 84 )</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ويقول فيها الرافعي:</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">دلالُكِ في التبرُّجِ مِنْ ضَلالِكْ</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وما عابَ الدَّلالَ سوى دلالِكْ</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">كَمُلْتِ تبرُّجًا فَكَمُلْتِ حُسْنًا</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ولكنْ جاءَ نقصُكِ مِنْ كمالِكْ</div></p>

رسائل الرافعي 1-2

<p class='article-text'><div data-empty="false">حظي كتاب «كليلة ودمنة» العجيب من أمم الشرق والغرب من التقريب والتهذيب؛ بما لم يحظَ به كتاب غيره من كتب الأعاريب.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فقد تكرر طبعه، وتوالى رصعه، وعمَّ نفعه، فتنافست الأمم في اقتنائه، وتسابقت الشعوب في ادخاره، فلا تكاد تجد عالماً، أو متعلماً، أو أديباً أو مثقفاً إلا وقرأه واطلع عليه واستفاد منه، واقتبس من نصوصه أو تأثر فيه.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ولا غرو في ذلك، فقد احتوى على كنوز من الحكم، وضروب من الآداب والشيم، وألوان من السياسة، وأنواع من الكياسة، في قوالب جميلة من القصص والأمثال النبيلة؛ ما جعل منه طرفة غالية، ودرة ثمينة؛ يُمتّعُ بها القارئ الأريب عقله، ويصقل بها المطالع الأديب طبعه، ويهذب إحساسه، ويجدد شعوره، معاً.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">على أن نسخته العربية أصل لكل نسخه في اللغات الأخرى، فصارت أمّاً يَحتكمُ إليها ناشدُ التصحيح والترجمة والترجيح.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وحسبك أن مُسْتَشْرِقَيْنِ كبيرين اعتنيا به أيّما عناية؛ أما أحدهما فهو المستشرق هرتيل؛ فحينما عثر على كتاب (بنج تنترا) الهندي، وهو يُعدّ أصلاً من أصول كتابنا «كليلة ودمنة» فما كان منه إلا أن دعا جماعة المستشرقين إلى تحري النص العربي الصحيح ليستعين به على الأصل الهندي.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وأما المستشرق برستيد رئيس المعهد الشرقي في جامعة شيكاغو؛ فقد منحه من وقته واهتمامه فعكف عليه مدة يدرس أصوله كي يتمكن من تصحيح النص العربي، وكان قبل ذلك قد حرص على الحصول على أكبر عدد ممكن من مخطوطاته الكثيرة التي توزعت في أرجاء الدنيا، وقد طلب العون من الأدباء في الشرق والغرب لمساعدته في إنهاء هذا العمل الجليل.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">فلا جرم أن كانت طبعته الأولى في باريس عام 1816م على يد المستشرق الكبير «سلفيتر دي ساسي».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وكل الطبعات العربية التي طبعت في العالم العربي من بعدُ طبعت عن نشرة «دي ساسي»، لا سيما الطبعتان التي أخرجتهما بولاق سنة 1249 وسنة 1251هـ.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وربما تكمن أهمية هذا الكتاب في تاريخ كتابته، فقد كُتب في منتصف القرن الثاني من الهجرة، وبذا يكون من أقدم الكتب الموجودة لدينا بالنثر العربي، كما يعدُّ أسلوبه أقدم مثال على أساليب الإنشاء في لغتنا العالية!</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ونظراً لأهمية الكتاب فإن شاعرين كبيرين نظماه شعراً، هما: أبان بن عبدالحميد، والرودكي شاعر الفرس الأول.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">قال الجاحظ: «رأيت الصبيان يرددون حكايات (كليلة ودمنة) من كثرة انتشارها».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وقال الرافعي لتلميذه أبي رية حينما سأله كيف يصبح أديباً يمتلك ناصية الأدب، قال: «واصرف همك من كتب الأدب العربي إلى كليلة ودمنة».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">على أن الرافعي نفسه قد استوحى من لغة الكتاب في أدبه؛ في سياق نقد أدبي، أو في مقاطع فكاهية.</div></p>

كليلة ودمنة

<p class='article-text'>هم رجال شجعان، معروفون بالشجاعة والبأس والقوة، والسواد. وهم: عنترة بن شداد وأمه زبيبة، وخُفاف بن عُميْر، وأمّه نُدْبة، والسّليك السّعْدي؛ وأمه السليكة.<br></p><p class='article-text'>وكان أشهرهم ذكراً، وأنبههم شاناً هو عنترة بن شداد؛ نشأ عبداً في بيت أبيه، وكعادة العرب فيمن غَشِيَ منهم أمَتَه يتركها، حتى إذا كبر ولده اختبر ذكاءه ونجابته، فإن صدق فيهما اعترف به وألحقه بنسبه، وإلا أبقاه عبداً.</p><p class='article-text'>وسرعان ما ظهرت على عنترة إمارات الشجاعة، والنجدة، والبأس، فكان بذلك فارس عبس، فألحقه أبوه حينئذ جهراً دون همس. <br>قال عنترة:<br>أَمِن سُمَيَّةَ دَمعُ العَينِ مَذروفُ<br>لَو أَنَّ ذا مِنكِ قَبلَ اليَومِ مَعروفُ<br>المالُ مالُكُم والعَبدُ عَبدُكُمُ<br>فَهل عَذابُكِ عَنّي اليَومَ مَصروفُ<br>كأَنَّها يَومَ صَدَّت ما تُكَلِّمُنا<br>ظَبيُ بِعُسفانَ ساجي العَينِ مَطروفُ<br>وقد عكس شعره عدداً من فضائله ونبل أخلاقه:<br> ما اِستَمتُ أُنثى نَفسَها في مَوطِنِ<br> حَتّى أُوَفّي مَهرَها مَولاها<br>وَلَما رَزَأتُ أَخاً حِفاظَ سِلعَةً<br>إِلّا لَهُ عِندي بِها مِثلاها<br>أَغشى فَتاةَ الحَيِّ عِندَ حَليلِها<br>وَإِذا غَزا في الجَيشِ لا أَغشاها<br>وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي<br>حَتّى يُواري جارَتي مَأواها<br>إِنّي اِمرُؤٌ سَمحُ الخَليقَةِ ماجِدٌ<br>لا أُتبِعُ النَفسَ اللَجوجَ هَواها<br></p><p class='article-text'>«قيل لعنترة: أنت أشجعُ العرب؟ قال: لا. قيل: فبم شاع ذكرك؟ قال: كنت أقدمُ إذا رأيت الإقدام عزْماً، وأحجمُ إذا رأيت الإحجام حزماً، ولا أدخل إلا موضعاً أرى لي منه مخرجاً، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطيرُ لها قلب الشجاع فأثنّي عليه فأقتله».<br></p><p class='article-text'>سأل عمر بن الخطاب الحطيئة: كيف كنتم في حربكم قال: كنا ألف فارس حازم. وقال: وكيف يكون ذلك. قال: كان قيس بن زهير فينا، وكان حازماً، فكنّا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة، فكنا نحمل إذا حمل، ونحجم إذا أحجم.</p><p class='article-text'>وكان فينا الربيع بن زياد، وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه، وكان فينا عروة بن الورد، فكنا نأتمّ بشعره، فكنا كما وصفت لك. قال عمر: صدقت.</p>

أغربةُ العربْ

<p class='article-text'><div data-empty="false">كثر الخلاف بين الباحثين حول حقيقة الصعلكة والصعاليك، فمنهم من ذهب إلى أن فكرتهم هي نوع من أنواع الاشتراكية الحديثة على ما بينهما من خلاف في الفلسفة النظرية أو في التطبيق العملي. وأن رئيسهم عروة بن الورد «أبا الصعاليك» هو الداعية الأبرز لهذه الفكرة أو هذا المذهب كما يحلو التفلسف به عند بعض المثقفين، وديوان عروة بن الورد، وديوان الشنفرى وصلا إلينا كاملين من بين دواوين الشعراء الصعاليك.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">ولا يخفى أن في هذه الدعوى شيء من التعسف وتحميل النصوص والأخبار ما لا تحتمل، وأن مفهوم الاشتراكية لم يخطر على بال صعلوك من الصعاليك!</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وربما يكون الحامل على هذا القول هو ما رأوه في شعر الصعاليك وأخبارهم ـ ولا سيما شعر عروة ـ من أفكار تتصل بمشكلة الفقر والغنى في المجتمع الجاهلي، تنادي الفقراء والمستضعفين بالثورة على طبقة الأغنياء المتخمين، وأن هذه صورة من صور العدالة الاجتماعية التي نادى بها الصعاليك وسعوا لتحقيقها.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وأياً ما كان تحليل الدارسين فمما لا شك فيه أن الصعلكة في ذاتها نزعة نبيلة تفجرت في نفوس هؤلاء الفرسان.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">على أن مفهوم الصعلكة ومعناها قد تغير مع الأيام، فالصعلوك في الجاهلية وصدر الإسلام هو الفقير الذي لا مال له، وأما في زمننا فقد تغير معناها؛ فهو التافه الذي لا يؤبه له.</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وفي الحديث: «أمّا مُعاويةُ فَصُعْلوكٌ لا مالَ لَهُ».</div></p><p class='article-text'><div data-empty="false">وفي أطواق الذهب: «موسرٌ يشح بالنوال، ومعسر يلج في السؤال...ذاك كزّ شحيح غير معوان، له في وجه الصعلوك فحيح أفعوان». قال الخليفة عبد الملك: «من زعم أن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد». ووصفه الأصمعي «بالشاعر الكريم».</div></p>

الصعلكةُ والصعاليك

<p class='article-text'>لا تخلو أمة من الأمم من الحكمة أو من آثارها. لذلك قالوا: «الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ»، أَي لَا يَزالُ يَتَطَلَّبُها ويسعى وراءها، ويبحث عنها كَما يَتَطَلَّبُ الرجل ضَالَّتَهُ. وقال الحكماء: لا يطلب الرجل حكمة إلا بحكمة عنده.</p><p class='article-text'>وعليه فإن الحكمة هي: اسم جامع لكل علم حسن، وعمل صالح. وعلى هذا فإن الحكمة لا تخرج عن هذين المعنيين؛ فكمال الإنسان في شيئين: معرفة الحق لذاته، والخير للعمل به، فمرجع الأول إلى العلم والإدراك، والثاني: إلى فعل العدل والصواب.</p><p class='article-text'>قال المؤرخ جواد علي: «الحكمة عند الجاهليين، هي الخبرة المكتسبة من الملاحظات العميقة إلى الأشياء، أو المستخلصة من التجارب، وبمعنى العلم والرأي الصائب. وبهذا المعنى جاءت الحكمة عند الساميين. فقد كان الحكيم عندهم العالم ‌الذكي الفطن الذي ينظر بعين البصيرة إلى أعماق الأمور بتؤدة وتبصر وأناة، فيبدي رأيه في كل شيء في الحياة؛ من سياسة واقتصاد، ومن أمور تخص السلم أو الحرب، أو الخدع، والحكم بين الناس. ولهذا كان الحكماء في أعلى الدرجات في مجتمعهم من ناحية الثقافة والرأي».</p><p class='article-text'>وقد اشتهر في العرب حكماء عدة؛ مثل أكثم بن صيفي، وقُسّ بن ساعدة الإيادي، وعمرو بن مَعديكَرِب وغيرهم، فكانت أقوالهم تمثل دستور الأخلاق في مجتمعاتهم وعصرهم. كما أن لقمان الحكيم كانت له حكم معروفة عند الجاهليين جُمعتْ في صحيفة تدعى «مجلة لقمان».</p><p class='article-text'>وكثير مما ورد في أشعار الجاهليين مثل شعر زهير بن أبي سلمى يُحملُ على ما ذكرنا من معنى أو معاني الحكمة والتمدح بها والثناء عليها.</p><p class='article-text'>لذلك ثمن النقادُ بيت زهير:</p><p class='article-text'>تَراهُ إِذا ما جئتهُ مُتَهَلِّلاً كَأَنَّكَ مُعطيهِ الَّذي أَنتَ سائِلُه</p><p class='article-text'>قال الثعالبي: وقع الإجماع على أنه أمدح بيت للعرب.</p><p class='article-text'>وقيل لخلف الأحمر: زهير أشعر أم ابنه كعب؟ قال: لولا أبيات أكبرَها الناس لزهير لقلت إن كعباً أشعر منه. يريد بيته الفائت.</p><p class='article-text'>وقال عبد الملك لقوم من الشعراء: أي بيت أمدح؟ فاتفقوا على بيت زهير.</p>

فلسفة الحكمة وحكمة الفلسفة

<p class='article-text'>ميمون بن قيس بن جندل، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ولُقب بالأعشى لضعف بصره، وهو أحد أصحاب المعلقات، سلك في شعره كل مسلك، وذهب به كل مذهب، وكان يُغنّى بشعره.</p><p class='article-text'>وفد على الملوك عرباً وفُرساً. قال البغدادي: ولذلك كثرت الألفاظ الفارسية في شعره.</p><p class='article-text'>عُمّر طويلاً، وأدرك الإسلام ولم يسلمْ.. وعمي في أواخر عمره. مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة، على بعد خمسة أميال تجاه الجنوب من مدينة (الرياض)، وفيها ما تبقى من داره، وبها قبره. مطلع معلقته:</p><p class='article-text'>ما بكاء الكبير بالأطلال</p><p class='article-text'>وسؤالي وما ترد سؤالي</p><p class='article-text'>اختُلف في سبب تسميته بصناجة العرب على أقوال، فقولٌ: لقوة طبعه، وحلية شعره، وقولٌ: لِأَنَّهُ أول من ذكر الصنج في شعره، قَالَ:</p><p class='article-text'>ومستجيب تخال الصنج يسمعهُ</p><p class='article-text'>إِذا ترجع فِيهِ الْقَيْنَة الْفضل</p><p class='article-text'>وفي محاضرات الأدباء: أن معاوية هو الذي سمّاه «صناجة العرب»، يعني أنه يطرب إطرابها.</p><p class='article-text'>وهو أحد الأربعة الذين وقع الاتفاق على أنهم أشعر العرب، وقد تقدّم ذكرهم، وهو على ساقة الجاهليين ومقدمة المخضرمين، وكان قد أدرك المبعث، ومدح المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلّم، إلا أنه لم يُرزَق الإسلام. قال:</p><p class='article-text'>ألم تَغتمِض عيناك ليلة أرْمَدَا</p><p class='article-text'>وبت كما بات السَّليم مُسهَّدَا</p><p class='article-text'>وما ذاك من عشق النساء وإنما تناسيت قبل اليوم خُلَّةَ مَهدَدا</p><p class='article-text'>وله البيت الذي وقع الاتفاق عليه أنه أهجى بيت للجاهلية، وهو قوله لعَلقَمة بن عُلاثة:</p><p class='article-text'>تَبيتون في المَشْتى مِلاءَ بُطُونكُم</p><p class='article-text'>وجاراتكُم غَرثى يَبِتْنَ خَمائِصا</p><p class='article-text'>ولما سمع علقمة هذا البيت بكى، وقال: اللهم أخزه، واجزه عني إن كان كاذباً.</p><p class='article-text'>ومن أمثاله السائرة قوله:</p><p class='article-text'>كَناطِحِ صَخْرة يوماً ليقلعَها</p><p class='article-text'>فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ</p><p class='article-text'>وقوله:</p><p class='article-text'>إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ منِ التقى</p><p class='article-text'>وَلاَقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا</p>

صناجة العرب

<p class='article-text'>الطيرة - بكسر الطاء وفتح الياء: هي التشاؤم، وأصلها: أن عرب الجاهلية اعتمدوا الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر ما، ورأى الطير طائراً على جهة اليمين، تيمَّن به، وذهب لأمره، وإذا طار على جهة اليسار، تشاءم ورجع، وكانوا يسمون طائر اليمين السانح، وطائر اليسار البارح، وربما هيج أحدهم الطير ليرى جهة طيرانه فيعتمدها، فجاء الشرع بنفي ذلك.</p><p class='article-text'>ويُذكر هذا المقام بابن الرومي ؛ فقد كان معروفاً بالتطير، مشهوراً به، وكان أصحابه يمازحونه ويرسلون إليه من يتطير باسمه، فلا يخرج من بيته طوال يومه.</p><p class='article-text'>وحسبك أن تعلم أنه كان لا يلبس ثيابه إلا بعد أن يتعوَّذ، فإذا وصل إلى الباب نظر من خلال ثقب المفتاح، فإذا رأى ذلك الأحدب الذي يتطير منه، جبن فلم يخرج، وخلع ثيابه ثانية، وقد عرف «ابن الرومي» كيف ينتقم منه، ويثأر لنفسه منه، ببيتيه اللذين وسمه بهما آخر الأبد، وهما قوله:</p><p class='article-text'>قصرت أخادعه وغاب قذاله</p><p class='article-text'>فكأنه متربصٌ أن يصفعا</p><p class='article-text'>وكأنما قد ذاق أول صفعة</p><p class='article-text'>وأحس ثانية لها فتجمعا</p><p class='article-text'>ولابن الرومي — في تطيره — أخبار طريفة، منها أن أبا الحسن الأخفش — غلام المبرد — كان كثيراً ما يقرع بابه، فإذا رد عليه ابن الرومي مستفسراً أجابه: «مرة بن حنظلة» فيتطير من ذلك ولا يجسر على الخروج بقية يومه، وَلَا يخرج يَوْمه أجمع فَكتب إِلَيْهِ ينهاه ويتوعده بالهجاء فَقَالَ:</p><p class='article-text'>قولوا لِنحوِّينَا أبي حَسنٍ</p><p class='article-text'>إنّ حُسامِي مَتى ضَربتُ مَضى</p><p class='article-text'>وَإِنّ نَبلِي إِذا هَممتُ بِهِ</p><p class='article-text'>أرْمي غَدا نَصلها بجمر غَضا</p><p class='article-text'>لَا تحسبنَّ الهجاء يَخمده الرفعُ</p><p class='article-text'>ولاَ خَفضُ خافض خفَضا</p><p class='article-text'>على أن بعضهم طرح التطير جانباً ومضى لسبيله فظفر وغنم.</p><p class='article-text'>خرج النابغة وابن منظور الفزاري للغزو، فسقطت جرادة على النابغة فتطير وعاد، وأما الفزاري فمضى لسبيله فظفر وغنم، فقال:</p><p class='article-text'>تعلم أنه لا طير إلا... على متطير، وهي الثبور</p><p class='article-text'>بلى! شيء يوافق بعض شيء... أحاييناً، وباطله كثير</p>

ابن الرومي شاعر التطير

<p class='article-text'>في تاريخ الأدب العربي عدد من القصائد سميت بـ«القصيدة الذهبية» مثل؛ بائية الحميري في مدح علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ومطلعها:</p><p class='article-text'>هلّا وقفت على المكان المعشب</p><p class='article-text'>بين الطويلع فاللّوى من كبكب</p><p class='article-text'>و«القصيدة ‌الذهبية في كشف أسرار العربية»- للحريري- غير صاحب المقامات- وأولها الحمد لله حمداً طيباً عطراً.. و‌القصيدة ‌الذهبية، للشريف المرتضى، ولم أظفر بشيء عنها!</p><p class='article-text'>أما هنا فمرادنا معلقة عنترة، وهي رابعة السبع الطوال عند ابن الأنباري ومطلعها:</p><p class='article-text'>‌هَلْ ‌غَادَرَ ‌الشّعراءُ مِنْ مُتَرَدَّمِ؟</p><p class='article-text'>أَمْ هَلْ عَرَفتَ الدّارَ بَعدَ تَوَهّمِ</p><p class='article-text'>وهي أَجود شعره، ولقبتها العرب«المذهبة» بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التذهيب، وهو بِمَعْنى التمويه والتطلية بِالذَّهَب.</p><p class='article-text'>وقد حفلت المعلقة ذات الـ«84» بيتاً بقيم جمالية عالية، تعدُّ بحق من معالي مكارم الأخلاق العربية، بل الإنسانية والعالمية، فقد صور فيها عنترة البطولة بأسمى معانيها، والفروسية بأزهى مبانيها، في أوقات الرخاء والشدة، وميادين البأس والقتال، وتحدث فيها عن مفهوم الشهامة، وعن المرأة وما تمثله للرجل العربي من عز وكبرياء وشرف، فلزاماً أن تُصان بالنفس والنفيس.</p><p class='article-text'>ومعلقة عنترة بجملتها تمثل مفاهيم العرب عن ثالوث الحق، والخير، والجمال بشكل عام، ومفهوم عنترة عن ذلك بشكل خاص.</p><p class='article-text'>فهو وإن كان يصور تجربة ذاتية، إلا أنه يزينها ويتغنى بها لتكون نبراساً عاماً يُحتذى بها، ويعلمها الآباء للأبناء، فهو بهذا يشبه المتنبي حكيم العربية ولسانها. فالشهامة والفتوة بمثلها العليا، ومبادئها السامية، وقوانينها النبيلة، تقتضي الوفاء بالعهد للديار والراحلين معاً.</p><p class='article-text'>ويدلك هذا دلالة قاطعة على وجود مكارم أخلاق أصيلة في العرب، جاء الإسلام من بعد ليتممها. لذلك عدَّ الإفرنج «قصة عنترة» من بدائع آداب العرب، فترجموها إلى الألمانية والفرنسية. ولولا ضيق المقام لمثلنا على كل مفهوم ببيت من الشعر أو أكثر. ولعلنا نفعل ذلك في مقال آخر.</p>

القصيدة الذهبية

<p class='article-text'>كان لعلماء فلسطين بعامة وعلماء بيت المقدس خاصة، الأثر البالغ في نشر العلوم وذيوع المعرفة في «دمشق»؛ ومنها إلى شتى بقاع الأرض، حيث ضربت إليهم الأكباد للتلقي والأخذ عنهم.</p><p class='article-text'>يرجع المؤرخون تاريخ بدء هجرة المقادسة إلى الشام إلى عام (551 هـ)، حيث حطت رحالها أول جماعة منهم على أرضها. ولدى وصول «المقادسة» فرح الناس بقدومهم، واغتبطوا بوجودهم، فتنافسوا في إكرامهم، وإنزالهم المنزلة اللائقة بهم، وكان في مقدمة الوافدين العالم الجليل أحمد بن قدامة، وقريبه ابن سرور والد الإمام عبدالغني، وعبدالواحد المقدسي، والد الحافظ ضياء الدين، ثم توالت الوفود المباركة.</p><p class='article-text'>وكان نزولهم ابتداء في مسجد أبي صالح ظاهر الباب الشرقي لمدينة دمشق، فأقاموا مدة، غير أن طبيعة المكان لم تناسبهم، فجعلوا يبحثون عن مكان أفضل، فوقع اختيارهم على جبل قاسيون حيث المكان المرتفع المطل على دمشق وضواحيها، وسط البساتين الجميلة، والحدائق الخميلة، والجداول الرقراقة.. ومن هناك انتشر علم المقادسة وعم شعاعه.</p><p class='article-text'>وبمعاونة من نور الدين زنكي قام «المقادسة» ببناء المدرسة الصالحية وهي ما يعرف الآن بالعمرية، نسبة إلى مؤسسها الشيخ أبي عمر (ت 607هـ).</p><p class='article-text'>ثم كثر البناء في تلك المنطقة التي اشتهرت، فيما بعد، بالصالحية - نسبةً إلى صلاحهم، ولما سئل أبو صالح عن ذلك قال: نسبونا إلى مسجد أبي صالح لأننا نزلنا فيه، لا لأنا صالحون، وعقب على ذلك العلامة ابن طولون (953هـ) بقوله: «وهذا من تواضع الشيخ»، وبعد حين صارت مفخرة دمشق يسهب في وصفها الرحالون والأدباء، وينشد في مدحها المداحون والشعراء.</p><p class='article-text'>ولقد لقيت أسرة المقادسة من نور الدين زنكي كل رعاية واهتمام، وكان يقول: «هذا الشيخ أحمد رجل صالح، وأنا أزوره لأنتفع به». وقد نبغ منهم غير واحد من العلماء مثل؛ الشيخ الزاهد الفقيه المقرئ المحدث أبو عمر ولد سنة (528هـ) بجماعيل.</p>

أسرة المقادسة

<p class='article-text'>في أواخر القرن السادس وأوائل القرن السابع نشأ إخوة ثلاثة؛ كانوا من أبرز العلماء، وأشهر الأدباء في تراثنا العربي الإسلامي؛ محدثٌ، ومؤرخٌ، ولغويٌّ أديب.<br></p><p class='article-text'>والدهم؛ هو أثير الدين الشيباني الجزري.<br></p><p class='article-text'>قال صاحب مفتاح السعادة: «وكانوا كلهم فضلاء، نجباء، رؤساء، وقلما يتفق إخوة مثل هؤلاء». <br>ومِن لطيف ما قِيلَ فيهم:<br>وَبنُـو الأَثِيرِ ثلاثـةٌ          قد حازَ كلٌّ مُفْتَخَـرْ<br>فمُؤَرِّخٌ جَمَع العُلُـو         مَ وآخَرٌ وَلِيَ الـوَزَرْ<br>ومُحَدِّثٌ كَتَب الحَدِيـ         ثَ له النِّهَايةُ في الأَثَرْ<br>أكبرهم؛ مجد الدين بن الأثير (544 - 606 هـ) المحدث اللغوي الأصولي.</p><p class='article-text'>أشهر مؤلفاته «النهاية في غريب الحديث والأثر»، و«جامع الأصول في أحاديث الرسول». أصيب بالنقرس؛ فبطلت حركة يديه ورجليه.</p><p class='article-text'>ولازمه المرض إلى أن توفي في الموصل، قيل: «إن تصانيفه كلها ألفها في زمن مرضه، إملاء على طلبته، وهم يعينونه بالنسخ والمراجعة».<br></p><p class='article-text'>قال: «ما زلت منذ ريعان الشباب، وحداثة السن، مشغوفاً بطلب العلم، ومجالسة أهله، بذلت الوسع في تحصيل ما وفقت له من أنواعه، حتى صارت فِيَّ قوة الاطلاع على خفاياه، وإدراك خباياه، ولم آل جهداً، والله الموفق في إكمال الطلب وابتغاء الأرب». <br></p><p class='article-text'>وأوسطهم عز الدين بن الأثير (555 - 630 هـ)؛ المؤرخ الإمام، من العلماء بالنسب والأدب. من تصانيفه «الكامل» اثنا عشر مجلداً، مرتب على السنين، بلغ فيه عام 629 هـ أكثر من جاء بعده من المؤرخين عيال على كتابه هذا، و«أُسْد الغابة في معرفة الصحابة» خمس مجلدات كبيرة، مرتب على الحروف.<br></p><p class='article-text'>وأصغرهم ضياء الدين بن الأثير (558 - 637 هـ) المعروف بابن الأثير الكاتب: وزير، من العلماء الكتاب المترسلين. كان قويّ الحافظة، حفظ شعر أبي تمام والمتنبي والبحتري.</p><p class='article-text'>من تآليفه: «المثل السائر في أداب الكاتب والشاعر»، وهو كتاب نفيس، و«كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب»، و«المعاني المخترعة في صناعة الإنشاء»، و«الوشي المرقوم في حل المنظوم».</p>

أبناء الأثير

<p class='article-text'>تعد أسرة تيمور المصرية من الأسر العلمية العريقة؛ الضاربة في جذور الثقافة العربية والإسلامية.</p><p class='article-text'>فتيمور الأب «أحمد»: أديب باحث، ومؤرخ كبير، وعضو في المجمع العلمي العربي.تعلم على علماء العصر، وجمع نفائس الكتب والمخطوطات، وكان رضي النفس، متواضعاً، فيه انقباض عن الناس. تركته زوجته وهو في التاسعة والعشرين من عمره؛ فلم يتزوج خوفاً على ولديه، فانقطع إلى كتبه؛ ينقب فيها، ويعلق عليها ويفهرس ويؤلف، فصنف «نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة»، و«تصحيح لسان العرب»، و«تصحيح القاموس المحيط»، وغيرها.</p><p class='article-text'>فُجع بولده محمد؛ فهاجمته نوبات قلبية، فمات عام 1930 م، ونُقلت مكتبته عقب وفاته إلى دار الكتب المصرية، ما يقرب من 18 ألف مجلد. أنجب «محمود»؛ نابغة القصة العربية، الذي تعلم بمصر، فساح مصطافاً ومستشفياً في سويسرا.</p><p class='article-text'>فدرس الأدبين؛ الفرنسي والروسي، فبدأ بالقصة العامية، ثم كتب المسرحية والبحث، وتقدم في لغته حتى كان من حملة لوائها الكبار، وأصبح من أعضاء مجمع اللغة العربية (1949)، وترجم كثيراً من أعماله إلى الفرنسية والإنجليزية والألمانية والإيطالية والروسية والصينية والإسبانية. قال له طه حسين:</p><p class='article-text'>«لا أكاد أصدق أن كاتباً مصرياً وصل إلى الجماهير المثقفة وغير المثقفة كما وصلت إليها أنت، فلا تكاد تكتب، ولا يكاد الناس يسمعون بعض ما تكتب حتى يصل إلى قلوبهم كما يصل الفاتح إلى المدينة، التي يقهرها فيستأثر بها الاستئثار كله». وثاني ولديه محمد؛ رائد القصة القصيرة في العصر الحديث. سافر إلى برلين ليكون طبيباً، فترك وانتقل إلى باريس، وأقبل على تحصيل الآداب الفرنسية.</p><p class='article-text'>وعاد إلى مصر مولعاً بالتمثيل؛ فألف فرقة تمثيلية عائلية، كان هو بطلها ومؤلفها، وأجاد نظم «المونولوجات» التمثيلية وإلقاءها، وعاجلته الوفاة في الثلاثين من عمره. له «وميض الروح»، يشتمل على مجموعة من نظمه ونثره، و«حياتنا التمثيلية» و«المسرح المصري»، وفيه روايتان فكاهيتان من قصصه، إحداهما «العصفور في القفص» والثانية «عبد الستار أفندي» و«ما تراه العيون» مجموعة من قصصه.</p>

أسرة تيمور العلمية

<p class='article-text'>كانت هذه المقولة «شعرة معاوية»، وما زالت، وستظل حكمة بالغة راسخة، تمثل سيرة حياة، وفلسفة عيش، ونموذج حكم من أروع النماذج، التي عرفها التاريخ الإنساني.</p><p class='article-text'>وإننا لا نبالغ إذا قلنا إنها تختزل في طياتها فلسفة قيادية حكيمة، تقوم على رسم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، في إطار من الموازنة بين الحزم والمرونة، وبين الشدة واللين.</p><p class='article-text'>سأل أعرابي معاوية - رضي الله عنه - يا أمير المؤمنين، كيف حكمت الشام عشرين عاماً أميراً، ثم حكمت بلاد المسلمين عشرين عاماً خليفة للمسلمين؟ فقال معاوية - رضي الله عنه: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حين يكفيني لساني، ولو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا مدوها أرخيتها، وإذا أرخوها مددتها».</p><p class='article-text'>هذه الشعرة الضعيفة والدقيقة والمخيفة معاً، ما كان معاوية ليتركها كذلك، بل جعل ينفخ فيها متانة وقوة وصلابة، حتى صارت صخرة قوية، تتحطم عليها الفتن، وتبني تلاحماً قوياً، وانصهاراً صلباً، جعل من الحاكم والمحكوم وحدة واحدة، تعمل في بناء المجتمع، وتحقيق الخير والسعادة للجميع.</p><p class='article-text'>وسر ذلك - في ظني- خلق «الحِلْم»، الذي بلغ فيه الغاية القصوى حتى كان يضرب المثل فيه.</p><p class='article-text'>والحِلْم هو التجاوز عمن بلغ القدرة على معاقبته.</p><p class='article-text'>قال قوم من قريش: «ما نظن معاوية أغضبه شيء قط».</p><p class='article-text'>قالوا: «بلى، إن ذكرت أمه غضب؛ فقال مالك بن أسماء المُنى (لجمالها) والله لأغضبنه إن جعلتم لي جُعلاً (جائزة) فأتاه وقد حضر معاوية الموسم»، فقال: «يا أمير المؤمنين، ما أشبه عينيك بعيني أمك. قال: تانك عينان طالما أعجبتا أبا سفيان؛ يا أبن أخي، انظر ما أعطيت من الجعل، فخذه ولا تتخذنا متجراً.</p><p class='article-text'>فرجع، فأخذ جُعله»؛ فقال له رجل: «لك ضعفا جعلك إن أتيت عمرو بن الزبير، فشبهته بأمه؛ فأتاه»، فقال: «ما أشبه وجهك بوجه أمك، فأمر به، فضرب حتى مات، فبعث معاوية بديته إلى أمه»، وقال:</p><p class='article-text'>«ألا قلْ لأسماءِ المُنى أم مالكٍ... فإني لعمرو الله أقتلتُ مالكا».</p>

شعرة معاوية

<p class='article-text'>قال: «اتق زلة اللسان؛ فإن الرجل تعثر قدمه فيقوم من عثرته، ويزل لسانه فيكون فيه هلاكه».</p><p class='article-text'>وقال الشاعر:</p><p class='article-text'>جراحاتُ السِّنانِ ‌لها ‌التئامُ</p><p class='article-text'>ولا يلتئمُ ما جَرَحَ اللسانُ</p><p class='article-text'>ويصدق هذا الكلام على شاعر المعلقات طرفة بن العبد. فقد قال خاله المتلمس فيه: «ويل لهذا الفتى من لسانه». وقد صح ظن المتلمس فيه، فقد جنى عليه لسانه فأورده المهالك.</p><p class='article-text'>كانت أخت طرفة عند «عبد عمرو» فظلمها، فشكته إليه فهجاه طرفة، بقوله:</p><p class='article-text'>ولا خير فيه غير أن له غنىً</p><p class='article-text'>وإن له كشحاً إذا قامَ أهضما</p><p class='article-text'>وخرج عمرو بن هند يوماً صحبة عمرو بن بشر، فنظر عمرو إلى «عبد» فأبصر كشحه، فقال له: لقد أبصرَ طرفة كشحك حيث يقول:</p><p class='article-text'>ولا خير فيه غير أن له غنىً ...</p><p class='article-text'>فغضب عبد وقال: لقد قال في الملك أقبح من هذا:</p><p class='article-text'>فليت لنا مكان الملك عمرو</p><p class='article-text'>رغوثاً، حول قبتنا تخورُ</p><p class='article-text'>فأسرها في نفسه، فلما طالت المدة ظن طرفة أنه قد رضي عنهما، فقدما إليه فجعل يريهما المحبة ليأنسا به، فلما طال مقامهما قال لهما: لعلكما اشتقتما إلى أهلكما.</p><p class='article-text'>قالا: نعم. فكتب لهما إلى عامله بالبحرين، وفي الطريق علما بفحوى الكتاب: «إذا أتاك المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حياً». فرمى المتلمس صحيفته وتبع طرفة ليثنيه عن قصده فأبى طرفة، فتركه المتلمس.</p><p class='article-text'>وانطلق طرفة في طريقه، حتى قدم عامل البحرين، فدفع إليه كتاب عمرو بن هند فقرأه فقال: اهرب من ليلتك هذه فإني قد أمرت بقتلك، فقال والله لا أفعل ذلك أبداً.</p><p class='article-text'>فلما أصبح أمر بحبسه وتكرم عن قتله، وكتب إلى عمرو بن هند إني غير قاتل الرجل، فبعث إليه عمرو بن هند رجلاً وأمره بقتل طرفة وقتل ربيعة بن الحارث العبدي. فقضى طرفة ولما يكمل العقد الثالث من عمره، وقد رثته أخته الخرنق بأبيات تقول فيها:</p><p class='article-text'>عددنا له ستاً وعشرين حجةً</p><p class='article-text'>فلما توفاها استوى سيداً ضخما</p>

جرح اللسان (1)

<p class='article-text'>فن القصة كما نعرفه اليوم - في شكله الأخير- من الفنون الأدبية الجديدة، ساعد على نشأته الاتصال بالآداب الأوروبية، والاحتكاك بالأدباء الأوروبيين، مما ساعد على رواجه.</p><p class='article-text'>والفضل في ذلك للأديب الكبير - رائد القصة في العصر الحديث - «محمد حسين هيكل» صاحب رواية «زينب» التي صدرت سنة 1914م، حيث أبدع في وصف حياة الريف والفلاحين بصورة مبتكرة وغير مسبوقة.</p><p class='article-text'>«وزينب» من القصص التي كُتب حوارها بالعامية؛ إيماناً من هيكل بفكرة المصرية، وجهاداً في سبيل تعميمها، داعياً في ذات الوقت إلى التشبع من الثقافة الفرنسية.</p><p class='article-text'>قال الأديب محمد حسين هيكل في مقدمة قصته «زينب»: «.. وكنت ولوعاً يومئذ بالأدب الفرنسي أشد ولع... فلما أكببتُ على دراسة تلك اللغة وآدابها، رأيت منها غير ما رأيت من قبل في الآداب الإنجليزية، وفي الآداب العربية. رأيتُ سلاسة وسهولة، ورأيت مع هذا كله قصداً ودقة في التعبير والوصف، وبساطة في العبارة لا تُواتي إلا الذين يحبون ما يريدون التعبير عنه أكثر من حبهم ألفاظ عباراتهم».</p><p class='article-text'>وقال الناقد المصري هلال أحمد شتا في مجلة الرسالة (1936): «كان هيكل فيما أنتج - وأول نتاجه ‌قصة ‌زينب - فرنسياً مخلصاً؛ فهو يؤثر الصناعة والحبكة القصصية، ويحب أن يضرب على أوتار تحس، وأن يعالج بمجهوده موضوعاً، غير متقيد بمذهب الفن للفن، بل ذاهباً مذهب استغلال الفن للمصلحة، ولقد أسبغ على «فرنسية» فنه روحاً عربية جميلة، بما وفق إليه من براعة في الوصف، وقدرة على التصوير الفاتن.</p><p class='article-text'>ولا شك أن هيكل فنان بطبعه؛ وقد كان خليقاً بأن يكون من عداد القصصيين الممتازين لو عني بفنه عنايته بأدبه وعلمه، ولو تابع استغلال روحه الفنية التي فطر عليها».</p><p class='article-text'>ومع كل ما قلناه عن المؤلف وقصته؛ رأيناه يحجم عن نشرها، وعن والتصريح باسمه أول أمره عام 1914م، فقد ظهرت «زينب» أول مرة باسم «مصري فلاح»؛ وقد ذكر المؤلف ذلك في الطبعة الثالثة.</p><p class='article-text'>ويعلل بعض النقاد ذلك السلوك منه؛ بالصراع القائم يومذاك بين العامية والفصحى!</p>

محمد حسين هيكل«رائد القصة الحديثة»

<p class='article-text'>قصيدة الأرض اليباب أو «الخراب» أو «أرض الضياع» هي قصيدة الشاعر والناقد الأمريكي الكبير ت. س. إليوت. وهي أجمل وأروع وأشهر قصائده على الإطلاق، وقد يعزو البعض ذلك إلى وجود الرمز فيها، وقد يعزوه إلى ازدحامها بالصور الفنية والبلاغية.</p><p class='article-text'>وكلمة اليباب أو الخراب؛ تعبر عن القحط، والجدب، وانعدام الحياة والسراب!</p><p class='article-text'>وقد عبَّر إليوت في قصيدته عن تقززه وفزعه وارتياعه، وعبر عن خيبة الأمل التي لحقت به ولحقت بالناس -بعد الحرب العالمية الأولى- وعن الصدمة التي حطمت آمالهم ورجاءهم!</p><p class='article-text'>وقد تجلت سعة ثقافة إليوت بتعدد اقتباساته من ثقافات شتى؛ مثل الثقافة العربية، وقد بين هذا العلامة عبد الله الطيب في محاضرة له بعنوان «أثر الأدب العربي في شعر تي ‌إس ‌إليوت»، وبرهن أن إليوت قد تأثر في قصيدته «الأرض اليباب» بالشعر الجاهلي لا سيما نزعة الوقوف على الأطلال بعد الخراب واليباب وتغير الأحوال.</p><p class='article-text'>وقد استطاع إليوت تصوير الإنسان المعاصر بلا حول ولا قوة، فهو في أحسن أحواله مشلول الإرادة، فاقدٌ للسيادة، أشبه ما يكون بورقة تحركها الريح حيث تشاء.</p><p class='article-text'>قال إحسان عباس: «اليباب يوحي لنا بالجدب والجفاف وقلة الماء، وبهذا يرمز إليوت إلى الحضارة الحالية الخاضعة للآلة، التي قضت على الإنسان بالجدب الروحي والعاطفي، ولا شك في أن الماء هو الذي يخلص اليباب من جدبه وجفافه، فالماء في القصيدة رمز للخصب، وهو القادر أن يطفئ الظمأ الروحي».</p><p class='article-text'>وإذا كان شهر «نيسان» عند الشعراء والأدباء يبشر بالحياة وبعث الأمل؛ فيه تتزين الطبيعة وتلبس أجمل الحلل، فإن نيسان «الربيع» عند إليوت هو قاسٍ جداً، يولد الليلك من الأرض الموات، ويمزج الذكرى بالرغبة، ويثير الجذور المتلبدة بمطر الربيع.</p><p class='article-text'>والقارئ للقصيدة يلفته أن النساء جميعاً تمثل امرأة واحدة وهي شخصية «تيرسياس» التي تمثل الحب في أزهى صوره «الحب المثالي» ثم لا تلبث أن تروغ من بين يدي حبيبها، وهي تقول له:</p><p class='article-text'>لقد أعطيتني زهرات اللبلاب منذ عام.</p><p class='article-text'>فسموني: فتاة اللبلاب!</p>

قصيدة الأرض اليباب

<p class='article-text'>تُعدُّ نظرية (الفن للفن، أو الأدب للأدب)، أصل الفلسفات الفنية جميعاً، حيث تضرب جذورها التاريخية إلى عهد سقراط وأفلاطون؛ اللذين أكدا على ضرورة تنقية الفن من المنافع التي قد تعلقُ به؛ ابتغاءً للجمال،، وبعيداً عن المعاني الأخلاقية، والتربوية، والاجتماعية.. الخ</p><p class='article-text'>ولعل هذا ما يبرر طرْدَ أفلاطون الشعراءَ من جمهوريته الفاضلة؛ لأنهم عبروا عن الواقع بفنهم وشعرهم، فضربوا بنظرية الفن للفن عرض الحائط!</p><p class='article-text'>وقد ذاعت هذه النظرية، ونمت وترعرعت على يد ثلة من الأدباء والشعراء مثل؛ الفرنسي دي لیل (1818م ـ 1894م)، وبلديُّه بودلیر (1821م ـ 1867م)، وجوتییه (1811م ـ 1872م)، ومالا رامیه (1842م ـ 1898م).</p><p class='article-text'>ومع رسوخها في الأرض حيناً من الدهر إلا أنها تصدعت بفعل الضربات الساحقة التي تلقتها من الفيلسوف العملاق؛ أرسطو، حيث قرر: أنّه لا بد أن يكون للفن وظيفة تربوية، وانتقد بشدة شاعر اليونان الأكبر هوميروس الذي لم يُعِرْ الأخلاق اهتماماً في ملاحمه الخالدة.</p><p class='article-text'>ومن المتأخرين (سيدني) الذي أكد على عمق العلاقة بين الفن والأخلاق، لأنّ أساس المُفاضلة بين الفنون والآداب هو الأثر الذي تُخلّفه في نفس المُتلقي.</p><p class='article-text'>أما الناقد الكبير ت. س. اليوت فقد اتهم أصحاب النظرية بالخطأ وقصر النظر، لأنهم أخلوا الأديب والشاعر والفنان من الالتزام.</p><p class='article-text'>وقال الشاعر في هذا:</p><p class='article-text'>قد رأى الشعر نفسه في انطواء <br>ومع الدهر لا محالة ذاهب<br>من ينادي في عصرنا (‌الفن ‌للفن) <br> غرورا، فمدعي الشعر كاذب<br>خُلقَ الفنُّ للحياة ولولا <br> ذاك ما عز من (شكسبير) جانب<br>ولما اهتزت الأكف لشوقي <br> حين يبدو مهنئا أو معاتب<br>وقديما (أعشى حنيفة) يحبى <br>حمر النعم من قريش الغوالب<br>فلماذا نرى الميوعة في الشعر <br> وفي الحب منه ضربة لازب<br>وهو في سنة الحياة ذلول <br>قابل نسجه لشتى المذاهب</p>

الفنُّ للفن والأدب للأدب..!

<p class='article-text'>قيمة الكتاب ونفعه لا تخفى على كثير من الناس؛ بله أن تخفى على العلماء والحكماء والأدباء. وقد عبر أبو عثمان الجاحظ عن ذلك بقوله: «الكتَابُ هُو الجَليسُ الذي لاَ يُطريكَ والصَّديقُ الذي لَا يُغريكَ والصَّاحبُ الذي لاَ يُريدُ استخرَاجَ مَا عندَكَ بالمَلَق». ومع ما للكتاب من قيمة غالية، ومكانة عالية، إلا أن صاحبه الذي بذل فيه الغالي والنفيس قد تضطره الحاجة إلى بيعه بثمن خسيس؛ دراهم معدودة تقيم ‌أوده وتصلحُ حاله، وتحفظ حياته. وقد ذكر لنا التاريخ قصصاً سجلت بيع بعض العلماء كتبهم، بعبارات خالدة؛ تقطع القلب، وتفتت الكبد! قاطعاً مهجة المساكين منهم... بسكاكين ‌تقطع ‌القلب حزا ولعل أشهرها ما حكاه الخطيب التبريزي اللغوي: أن أبا الحسن الأديب كانت ‌له ‌نسخة من كتاب «‌الجمهرة»؛ لابن دريد في غاية الجودة، فدعَتْه الحاجةُ إلى بيعها، فباعَها، واشتراها الشريفُ المرتضى بستين ديناراً، وتصفَّحها، فوجد بها أبياتاً بخطِّ بائعها أبي الحسن؛ وهي:</p><p class='article-text'>أنِسْتُ بها عِشرينَ حولاً وَبِعْتُها<br>لقد طالَ وَجْدي بعدَها وحنيني<br>وما كان ظَنِّي أَنَّني سأَبيعها<br>ولو خلَّدتْني في السجون ديوني<br>ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصِبْيَةٍ<br>صِغارٍ عليهم تَسْتَهِلُّ شُؤوني<br>فقلتُ ولم أَمْلِكْ سوابقَ عَبْرةٍ<br>مقالةَ مكويِّ الفؤادِ حَزِين<br>وقد تُخرِجُ الحاجاتُ يا أمَّ مالكٍ<br>كرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنين</p><p class='article-text'>فما إن وقعت عينا الشريف على الأبيات حتى أعاد النسخة إلى صاحبها، وترك له الدنانير. هذا وكان الشريف نفسه شاعراً رقيقاً ترك ديواناً فقد مع ما فقد من آثاره العلمية والأدبية، ولكن مقاطع كثيرة جميلة قد حفظت في بطون الكتب التي ترجمت له، فمن رقيق أبياته قوله يتعشق حسان نجد:</p><p class='article-text'>أُحِبُّ ‌ثَرَى ‌نَجْدٍ ‌وَنَجْدُ بَعِيْدَةٌ<br> أَلَّا حَبَّذا نَجْدُ وَإِنْ لَمْ تَعُدْ قُرْبَا <br>يقولون: نجد لست من شعب أهلها<br>وقد صدقوا لكنني منهم حبًّا<br>كأني وقد فارقت نجدًا شقاوةً<br> فتًى ضل عنه قلبه ينشد القلبا</p>

د.أحمد الزبيدي