على امتداد تاريخ اكتشاف الآثار نلاحظ أن كثيراً منها لم تُكتشف في التنقيبات الأثرية المدروسة، ولا من خلال المسح الأثري، أي عملية البحث المقررة رسمياً على المواقع المقترحة، للقيام بعمل ميداني، فهناك بعض الصدف، التي لعبت دوراً في اكتشاف أهم الآثار، مثل صدفة اكتشاف فلاح مصري ألواح الطين في تل العمارنة عام 1887م، أثناء بحثه عن طابوق الطين الممزوج بالسماد، لتخرج بدلاً منها رسائل دبلوماسية من عهد أخناتون، لم يعرف قيمتها، فذهب إلى السوق لبيعها.
إلى صدفة اكتشاف كهف «لاسكو» الفرنسي، عام 1940م، وهو كهف مزخرف بنقوش بديعة، تعود إلى العصر الحجري، وجداريات تمثل تاريخ الفن قبل التاريخ، وكان بفضل كلب يطارد أرنباً أثناء لعب الأطفال الكرة، كذلك اكتشاف الضريح الضخم للإمبراطور تشين الصيني عام 1975م، بجانب أكثر من 6 آلاف تمثال لجنود، أي جيش من حجر مدفون أسفل الأرض، بفضل مزارعين إخوة كانوا يحفرون بئر ماء.
وفي بلادنا نكتشف أهم آثارنا نتاج صدفة، تعاملت معها حكومة دبي باهتمام، حيث طوي براق، وهو جغرافياً يقع على بعد 32 كلم شرق ساروق الحديد، ومن الجنوب طريق مُعبد يصل إلى مدينة الفقع على شارع العين دبي، والموقع هناك حتى التسعينيات مجرد رمال حولها عدد من الحظائر، ومساكن الصفيح، ومقبرة حديثة، بالإضافة إلى أشجار الغاف، حيث يقع الطوي.
المنطقة كلها تلال رملية باستثناء جهة الشرق، فالأرض أكثر صلابة، والرمل أكثر خشونة، واكتشفها مصادفة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أثناء رحلة، وبخبرة ابن الصحراء أخبرهم بأن الموقع في الأسفل ليس خاوياً، لتبدأ حكومة دبي بالمسح، من خلال بعثة أثرية نقبت في عدة مواسم، لتخرج آثار ساروق الحديد المختلفة من فخاريات، ومشغولات ذهبية وعظام ورؤوس السهام وخناجر وسيوف ومباخر. كلها تدل على مظاهر عمرانية تعود لمراحل تاريخية مختلفة، من العصر الحجري إلى الفترات الإسلامية المتأخرة.
وفي هذا الإطار نلاحظ كم غيرت الصدفة مفاهيمنا المعرفية حول نشاط الإنسان القديم في العالم، وهي قصص ملهمة تحولت إلى منهج، لتحفيز الإدراك لدى التلاميذ، وحب الاطلاع، فهذه الصدف أوفر بكثير من قرارات المسح المكلف من حيث الوقت والمال، ونتائجها أحياناً مخيبة.
خلاصة القول: إن الصدفة ليست كلمة ظرفية، ولا خرافة، بل أشبه بفن الرحلات، أو الاختراع فجأة، أو لحظة قدرية، لاختبار الحياة لنا، حول ما يحدث دون اتفاق مسبق، تحتاج فقط إلى عقل فني مستعد للتفاعل معها.