لا شك أننا سمعنا بالنجم السماوي الشديد اللمعان «بوليسار»، هذه الثريا المختلفة في جاذبيتها وهي تدور حول نفسها وبسرعة عالية، والشاهد أنها جذبت الكثير من العلماء المختصين بالفيزياء، الذين كرسوا أنفسهم لمراقبتها، حتى حصولهم على جائزة نوبل للفيزياء، بفضل تحليلهم الدقيق لعمق ضرباتها، ووضعهم المعايير لمعرفة غموض هذا النبض الماهر وهو يطرق بشدة، مروراً بقياسهم وحسابهم كل دقيقة جريان النجمة حول قلبها دون انحراف وبلا أخطاء.

وإن عُدنا إلى قراءة التاريخ القديم لجزيرة العرب، نستنبط مدى اهتمام العرب لعلم الرصد الفلكي، فكان معروفاً اتخاذهم النجوم والكواكب كمعبودات لهم، تماماً كالحضارات الوثنية الأخرى، لكنني هنا وبمناسبة الحديث عن النجم «بوليسار» استحضرتني أرجوزة ارتجلتها بنتٌ قرشية من بنات سادات مكة وهي هند بنت عتبة:

نحن بنات طارق

              نمشي على النمارق

والدُّرُ في المخانق

              والمِسك في المناطق

إن تقبلوا نعانق

                  ونفرش النمارق

أو تُدبروا نفارق

                 فراق غير وامق

تشبيهها بأنها بنت من بنات النجم (طارق) فيها الكثير من ضبط القول المراد، وربطه بهدف تمثيل دورها الماجد من أقصى المجرة إلى صميم نبضها العربي، وبالتالي تبيان موقفها العنيد، لعلمها الأكيد بالقوة المؤثرة لهذا النجم الطارق الذي يطرق (ينبض) بشدة، ولكن حتماً لم تكن تعرف هند بأن الموجات النابضة للنجوم سوف تصبح مؤثرة على ترددات الراديو العالية ونظام الملاحة الفضائية، وحرية وصول الإشعاع إلينا، لذا استوقفتني هند الحرون حين استعانت بهذا النجم اليقظ بحذاقة في أرجوزتها المرتجلة.

وأؤكد هنا بأني لا أريد الخوض عن طباع هند أو عن قسوتها قبل الإسلام، ولا يعنيني مناسبة قولها، ولا حتى بهدف إثبات إن كان المقصود النجم «بوليسار» هو ذاته النجم المذكور بسورة الطارق المكية في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى: «والسَّمَاء والطَّارِق، وَمَا أدْرَاكَ مَا الطَّارِق، النَّجمُ الثاقِبُ»، بل ما يعنيني إطراء هند لهذا الجُرم بُداً عن كل الأجرام السماوية الأخرى التي كانت تعبدها العرب، وكيفية تعبيرها عن انتمائها لهذا النجم الذي كان دائم الطرق بصوته النافذ ولمعانه الشديد، أي حيٌّ ولا يتغير في بريقه، فكان الطارقُ نجماً صوتياً وضوئياً وطاقياً كبيراً، والطاقة سُلطة، وبالتالي فإن سليلة السُلطة في مكة هند بنت عتبة والمعروفة بشجاعتها وأنفتها، تمنح لنفسها الرؤية الصائبة لمكانتها في أنها ثاقبة النظر مثل نجمها المقدس طارق، لكون هذا النجم الفريد من نوعه يقوم بمراقبة الحس النابض فيهم وبشكل عميق كما كان اعتقادها، وهُنَّ الآن بناته، لتستمر أرجوزتها المرتجلة (نحن بنات طارق) نابضة حتى يومنا هذا.