قرار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بتعيين سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد رئيسة لهيئة الثقافة والفنون بدبي، وتوجيهاته أن تكون دبي مركزاً ثقافياً عالمياً، كما هي مركز اقتصادي عالمي، وطلب سموه تصوراً جديداً للهيئة، خلال شهر، مهمة صعبة، لكنها ليست بالمهمة المستحيلة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما كُنه هذه المهمة؟
إننا نتحدث عن الثقافة هنا، الثقافة التي احتكرتها فرنسا وروسيا وبريطانيا وأمريكا سنين طويلة، لكن ليس في هذا العهد، عهد الثورة الصناعية الرابعة، عهد الـ«سوشيال ميديا»، بل في عهد كانت فيها الثقافة حروفاً مطبوعة على ورق جاف، وندوات ومحاضرات وفعاليات، لا يجد المهتمون بالثقافات غيرها، أما اليوم، وفي سباقات التطور والحضور، على المنصات الذكية، فتبدو الثقافة مسألة أخرى، ليست مختلفة جذرياً، ولكنها تختلف في الوسائل والأدوات.
كنا، وما زلنا، نعتبر قراءة الكتاب، ومشاهدة عرض مسرحي، وحضور ندوة ثقافية، وزيارة معرض فني، ومحاورة المثقفين، في موضوعات شيقة، والكتابة أحياناً، هي نشوة الثقافة، للمثقف وللشخص العادي.. اليوم تشغل وسائل التواصل الاجتماعي، «الفيسبوك» و«تويتر» و«الواتس أب» و«سناب شات» و«اليوتيوب» و«إنستغرام» وغيرها، جلّ وقت المثقفين، والناس العاديين، ويمكن لهؤلاء، الاستماع إلى أعظم الموسيقى، ومطالعة أجمل اللوحات، وقراءة الإخوة كارمازوف، بضغطة زر واحدة على لوحة ذكية، فهل تغيرت الثقافة أم المثقفون أم وسائل التثقيف؟
التحدي، بين يدي سمو الشيخة لطيفة، أن تجعل من دبي مركزاً ثقافياً عالمياً، وعليها أن تفعل ذلك مع فريق العمل المؤهل، إما من خلال استقطاب الثقافات العالمية الحية، كالعروض وعظماء الأدب والموسيقى إلى دبي، وإحياء وتشجيع الثقافة المحلية ومزجها مع الثقافة العالمية، أو بالذهاب إلى التطبيقات الذكية، وتمنهج الثقافة ببرامج تطبيقية تتواءم مع الثورة الصناعية الرابعة، أو بمخاض العصف الذهني، بالمواءمة بين هذه وتلك.
دبي، التي خرّجت أفواج كثيرة من المثقفين، واستضافت مئات الآلاف من العروض الثقافية والفنية الحية، وأصبحت وجهة لها، في الشرق الأوسط على أقل تقدير، وكذلك سبقت دول العالم المتطور، في الحكومات الذكية والتطبيقات والبرامج التي تصل المتابع والمهتم حول العالم، بكبسة زر، على هاتفه الجوال، لن تعجز عن المواءمة، بل ستكون الخطة، حسب تصوري، شاملة مكتملة، تجمع القديم بالجديد، والتقليدي بالحديث، وستبدو الخطة الشاملة، محاكاة فائقة الذكاء، تجعل من الثقافة والفنون مركزاً مشعاً بالنور، ومن دبي المتألقة دائماً، وجهة لها.
المهمة ليست مهمة سمو الشيخة لطيفة وحدها، بل هي مهمة كل مثقف وفنان، وكل مؤسسة ثقافية أو فنية، بالإسهام في الرؤى والأفكار، عاجلاً غير آجل، ووضعها أمام سمو الشيخة الموهوبة فطرياً بالثقافة، والتي نشأت في بيت ورث الأدب والفن والعلم، كابراً عن كابر.
الوقت يمضي، والأفكار تتوارد عند الجميع، ولا بد من كتابتها وتشذيبها وتهذيبها، لتصبح قابلة للتنفيذ، فتحقيق ذلك الأمل العظيم لا يمكن ونحن نلقي بمسؤولياتنا كمثقفين ومؤسسات ثقافية على سمو الشيخة لطيفة وفريق عملها فقط، بل يستلزم شدّ الهمة، وتقديم الأفكار والمشاريع والبرامج، التي تحقق رؤى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، المفكر الفيلسوف، الذي يسبق زمانه، إلى المستقبل، فيستكشف ما ينتظرنا، ويعود فيوجهنا أي المسالك نسلك، وأي طريق نتبع، وإلى أين نحن ماضون.
سمو الشيخة لطيفة وفريق عملها في هيئة الثقافة والفنون، ليسوا بعاجزين بمفردهم عن المهمة، لكن الأصل والواجب الإسهام والمشاركة لمن يجد في نفسه الكفاءة والقدرة على مجاراة واقع متسارع، في اتجاه سهل ممتنع، في عالم قديم متجدد، لذيذ وممتع، لكنه في ذات الوقت، في غاية الأهمية.
الأجيال القادمة تنتظر ما يجذبها نحو الثقافة والفن الذي يسهم ببناء شخصيتها ويشكّلها.