لا ريب أن اختيار عنوان المؤَّلف والمصنَّف والكتاب؛ يدل على عقل، وحكمة، وآداب. ونظرة على عناوين كتب الدينوري ـ مثلاً ـ تريك؛ أن كتبه كَانَت ثَمَرَة طيبة، تعكس الحركة العلمية في عصره، وتعبر عن الأجواء العلمية في وقته!. ظهرت محنة خلق الْقُرْآن، فكانَ لَهُ فيها كتاب، وعنوان: «الرَّد على الْقَائِل بِخلق الْقُرْآن».
وذاعت مقالات المشبهة والمجسمة، فعنونَ بـ: «الرَّد على الْجَهْمِية والمشبهة». وحين قويَ الْخلافُ بَين مدرسة الْبَصْرَة والْكُوفَة، وعز الائتلاف، عنون َ كتابيه: بـ«جَامع النَّحْو الْكَبِير» و«جَامع النَّحْو الصَّغِير».
وفي إبان انتشار الشعوبية، وانتصاره للْعَرَبية؛ عَنْوَنَ كِتَابه: «فضل الْعَرَب». فالعناوين ـ كما رأيت ـ تدل على الموضوع، والموضوع هو الآخر يصدق العنوان. إن اختيار الكاتب لعنوانه، يشبه اختيار الوالد اسماً لابنه، فكلاهما يفكر في ذلك، ويعلق الآمال الكبار هنالك. ومن المسيء اختيار أسماء كتب جميلة لا يُصدقها المضمون، فتكون من باب تسمية الثقيل خفيفاً أو الدميم جميلاً، والعاقل بالمجنون!. ومن التقليد، ترجمة أسماء الكتب الأجنبية.
بغية الاستعانة بالعناوين المضلِّلَة، فهي ظاهرةٌ؛ قديمة جديدة استخدمها التجار في جذب وجلب الناس البسطاء، والإيقاع الأخيار. فلا يختار التاجر المخادع منها إلا العناوين المؤثرة، والكلمات المزورة؛ التي من شأنها أن تؤثر في جذب النفوس وتشويقها. وأكثر ما يقع هذا في كتب تطوير الذات، وهيهات.. هيهات!
فالناس دائماً في دأب لتطوير الذات، ومحو السيئات، وتحقيق الأهداف العاليات، وبلوغ أعالي الغايات!
فاستُغلَّ ذلك في نشر الكتب التي تعنى بالتطوير، وتقصد إلى التغيير، فهذا كتاب السر، وهذا كتاب «بناء الثقة» وذاك كتاب «التحكم في الذات» وكتاب «الثقة الفورية»، وغير ذلك من العناوين، التي تبهر العيون وتسحر الألباب. فما أن تقرأ العنوان، وتدخل في تفاصيل البنيان، لم تلبث أن يصدمَك المحتوى الهزيل، ويُنَفِّركَ الطرحُ العليل.
ورحم الله القائل:
يا ليل؛ هل لك من صباحْ... أم هل لنجمك من براحْ