الكونتس دي نوايل شاعرة فرنسية متفردة، ومصورة مبدعة متمردة، وموسيقية ملهمة متعددة، ولا غرو في ذلك، فالفنون الجميلة كلها- في عرف دي نوايل- وحدة واحدة، يرفد بعضها بعضاً، ويزداد ببعضه جمالاً على جمال، فكل شاعر مصور، وكل مصور شاعر، والشاعر والمصور كلاهما فنان، غير أن كل واحد منهما يعبر عن فنه بلغته الخاصة.

هامت الشاعرة دي نوايل بالطبيعة، وعيونها الثجاجة، وجداولها الرجراجة، وروضاتها الفياحة، وطيورها الصداحة، حتى إذا امتزجت روحها بروحها أصبح شعرها مرآة تعكس ألق الكون، وسعته وجماله،

فلا عجب أن كانت تصغي لحفيف الأشجار؛ فتجد فيه أنيناً وانبهاراً، وترمق الورود والأزهار، فترى الحنين يفسر الوجود، فعشقت الغابات، واستأنست بها استئناسها بالبشر، بل أكثر.

‌عَوَى ‌الذِّئبُ فَاسْتأنَسْتُ للِذَّئْبِ إذْ عَوَى

وَصَوّتَ إِنْسَانٌ فَكِدْتُ أَطِيرُ

غير أن ‌أنشودة ‌الموت ظلت تلاحقها، وتتردد في أعماقها، فصارت محوراً لحياتها- وأعمالها وأفكارها..!

فاعتزلت الناس، وجعلت من عزلتها منفى اختيارياً بلا بأس، وصورته جنة مثالية بمقاسها، يمثل طموحها وأمنياتها، فأخذت تحن إليه، وتهفو للعيش فيه،

فقادها ذلك إلى عشق الموت وتطلبه، وتمثل حضوره في كل ساعة من ساعات حياتها.

‌أُرِيدُ ‌لأَنْسى ‌ذِكْرَها فَكَأنما

تَمَثَّلُ لِي لَيْلى بِكُلِّ سَبيلِ

أما شعرها المفضل فكأنما اختزلته في بيت واحد، كانت تصبح وتمسي وهي تترنم وتتغنى به:

اعتبرني قد مت... لأنني سأموت

وأخذ ‌تتغنى ‌بالموت والفناء، وما ينتظرها في الحياة الأخرى، كما تَغنى غيرها بالربيع والشباب، ويظهر لي أنها تأثرت بأشعار من سبقها؛ فيلون، وباريس، وييرلوتي، أبلغ من تكلم في الموت من شعراء فرنسا.

وهكذا أثرت شاعرتنا في الأدب الفرنسي تأثيراً عظيماً، إن في الشعر بشكل عام، وإن في شعر الرومانتيك بشكل خاص، فقد أكملت طريقاً خطه قبلها عمالقة الشعر في فرنسا منذ عام 1820، وفي مقدمتهم: هوغو، ولا مارتين وموسه ودوفيني وجورج ساند.

فما ماتت حتى صارت شاعرة شواعر فرنسا.