قال الجاحظ في الكتاب: «نعم الذخر والعقدة هو، ونعم الجليس والعدة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس لساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير..

، والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود بنانك، وفخم ألفاظك، وبجح نفسك، وعمر صدرك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، مع السلامة من الغرم، ومن كد الطلب، ومن الوقوف بباب المكتسب بالتعليم، ومن الجلوس بين يدي من أنت أفضل منه خلقاً، وأكرم منه عرقاً، ومع السلامة من مجالسة البغضاء ومقارنة الأغبياء.

وقال: «وعاء ملئ علماً، وظرف حشي ظرفاً، ومن لك في روضة تقلب في حجر، وبستان يحمل في كم..»، وقال أبو تمام الطائي في وصف الكتاب والقلم وما يجانسهما:

لك القلم الأعلى الذي بشباته... تصاب من الأمر الكلى والمفاصل/ لعاب المنايا القاتلات لعابه... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل / له ريقة طل ولكن وقعها... بآثاره في الشرق والغرب وابل/ فصيح إذا استنطقته وهو راكب... وأعجم إن خاطبته وهو راجل/ إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت... عليه شعاب الفكر وهي حوافل.

نعم، كان الكتاب ملء سمعهم وبصرهم، ومتعتهم في الخلوة، وأنسهم في الوحشة، يجلو أفهامهم، ويذكي قلوبهم، يصاحبهم في الغربة، ويسري عنهم في الكربة؛ فلا غرو أن صرفوا إليه همهم، واستفرغوا في تحصيله مجهودهم، وأقاموه مقام الزوجة والمال والولد، بل مقاماً أجل.

ولا غرو في ذلك فقد كان الكتاب لديهم ثمرة عقول، ونتاج أفكار.