إذا تحدثنا عن فضل العرب وإنصافهم في العصر الحديث، بعيداً عن الحاقد والخبيث، في عيون من لم ينكر مقامهم الكريم، ولم يتجاهل فضلهم العظيم، ولم يغمط أثرهم في رقي الحضارة، ولم يبطر حقهم في الصدارة، فلا يسعنا إلا الحديث عن مُؤلَّفَيْنِ؛ أولهما: تاريخ العرب العام للعلامة «سيدِيُّو».

وثانيهما: «حضارة العرب» للفيلسوف غوستاف لوبون.

فالأول منهما عرض فلسفي لتاريخ العرب العام، وربط للحوادث بأسبابها، وصلة لحاضر العرب بماضيهم، وهو تاريخ وثيق، متماسك عريق، متصل الحلقات، متناسق الحركات والسكنات. يقول فيه: «يظهر أنه قُصد نسيان العرب وإنكار ما لهم من تأثير في الحضارة الحديثة.. فقد حل الوقت الذي توجه فيه الأنظار إلى تاريخ تلك الأمة التي كانت مجهولة الأمر في زاوية من آسيا فارتفعت إلى أعلى مقام، فطبق اسمها آفاق الدنيا مدة سبعة قرون..»، بهذا أعرب سيديو عن غايته من تأليف كتابه.

ومع أهمية الكتاب، إلا أنه ظل بلا نوافذ وأبواب، لذلك رأيناه يمهد ويبشر بآخر يسد الخلل، ويفسح الأمل، قال: «نأسف على أننا لم ندرس حتى الآن درساً عاماً ما شاده العرب من المباني في سوريا، والعراق، وفارس.. في مختلف أدوار سلطانهم،.. فنأمل والحالة هذه أن يقوم فريق من رجال الفن الماهرين بملء هذا الفراغ».. وهذا ما قام به غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب.

وقد قصد لوبون في كتابه: إلى إظهار عناصر الحضارة العربية وتأثيرها الطيب في العالم، ولا سيما في نشأة دولتهم، وأسباب عظمتهم، وسمو أخلاقهم، وجميل عاداتهم، وصلاح طبائعهم، وكمال أنظمتهم، ورسوخ معتقداتهم، وتنوع علومهم وروعة آدابهم وخلود فنونهم، وإتقان صناعاتهم، وتأثيرهم في المشرقين، كل ذلك بأسلوب علمي مجرد.

ولعل أجمل ما توصل له «لوبون» هو أن حضارة العرب كانت ثمرة ماضٍ طويل، وأنها من أنضر الحضارات التي عرفها التاريخ. وأجمل منه ذكره العلامة «سيديو» في كتابه 13 مرة، يذكر فضله وسابقته.