أمراء الدعابة العربية، هم: أبو العيناء، وأبو دلامة، وأبُو العَنْبَسِ، والشّعْبي، وأْشْعَب، والغاضري، والبُهلول، والجَمّاز، والحَمدوني، وغيرهم. ورويت عن آحادهم قصص وحكايات، تنبئ عن حمقه وغفلته، وأحياناً عن فطنته، ولو قصصنا بعضها لضاق عنها هذا المقال.
ثم لم يلبث أن زاد عليهم المتفكهون من فكاهات الحمقى، وطرف المغفلين، ونسبوها إلى جحا، الذي يعدُّ بحق أمير أمراء الدُّعابة والفُكاهة في تراثنا الثقافي.
فتجمعت أشتاتهم في واحد... إلا يكنهم أمة فيكاد
فأسند الناس إليه كل طريف من الملح، وكلَّ عجيب من المرَحِ، فأمسى الرجل علماً على فنّ بعينه، بعد أن كان عَلماً على شخص بعينه.
فصار ماَء الفكاهة وَطينَتها، وَكَنْز الطرائف وَمَديِنَتهَا.
ولم يزل كذلك حتى أعجبوا به، فخلعوا عليه كل عجيب من القول، وطريف من الحديث والفِعْل!
وذكر النديم في الفهرست كتاباً بعنوان «نوادر جحا».
فمن هو جحا!
قال الفيروز أبادي: (وجحا لقب أبي الغصن دجين بن ثابت). وفي قاموس الأعلام: (هو من قبيلة فزارة، يضرب به المثل في الحمق، وكان في الكوفة إبان ثورة الخراساني. وجحا الرومي كناية عن خواجة نصر الدين).
وأما الرومي فكان معاصراً بكتاش، وعاش في عصر السلاجقة. ونوادره في التركية، كنوادر جُحا في العربية.
قال الدكتور عزام: «قد شاعت نوادر جحا في مصر وأفريقيا الشمالية كلها، كما شاعت نوادر نصر الدين في تركيا».
قلت: وبعدها صارت عالمية.
وقد حِيكت حول هذه الشخصية الفكاهية المحبوبة طرائف وملح، بعضها من وضع الرُّواة، وبعضها من وضع جحا نفسه، بغية التفكه والتظرف مع الناس.
كما دخل اسمه الأمثال الشعبية، مثل: «جحا أولى بلحم توره» و«مسمار جحا»، «بلدك فين يا جحا؟ اللي فيها مراتي».
وقد ذكر العقاد في كتابه الممتع: «جحا الضاحك المضحك»، أن بعض النوادر أصلها نوادر تركية لا عربية، لما تتضمنه من الملامح الأدبية التي تتعلق بلغة الترك، لا بلغة العرب،... ولذكرها أسماء مدن تركية.