قال أبو هلال العسكري: الكلام ألفاظ تشتملُ على معانٍ تدلّ عليها، ويعبر عنها، فيحتاج صاحب البلاغة إلى إصابة المعنى كحاجته إلى تحسين اللفظ.
والمعاني بعد ذلك على وجوه: منها ما هو مستقيم حسن، ومنها ما هو مستقيم قبيح، ومنها ما هو مستقيم النظم، ومنها ما هو محال.
وللخطأ صور مختلفة، فمن ذلك قول امرئ القيس:
ألَمْ تَسْأَلِ الرَّبْعَ القَديمَ بِعَسْعَسَا... كَأنِّي أنادِي أَوْ أُكَلِّمُ أَخْرَسَا
فهذا فاسد لأنه لا يقال: كلّمتُ حجراً فلم يجبني، فكأنه كان رجلاً.
وقال أيضاً:
أغرك منّي أنّ حبّك قاتلي... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وقالوا: إذا لم يغرّ هذا فما الذي يغرّ؟ ومعناه في هذا البيت يناقض البيت الذي قبله حيث يقول:
وإن كنت قد ساءتك مني خليقة... فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل
وتبعه أبو نواس فقال يصف دارا:
كأنها إذْ خرست جارم... بين ذوى تفنيده مطرق
قال الجاحظ: فعابوه بذلك، وقالوا: لا يقول أحد: لقد سكت هذا الحجر، كأنّه إنسان ساكت، وإنما يوصف خرس الإنسان بخرس الدّار، ويشبّه صممه بصمم الصّخر.
وقال الدينوري:.. وإنّما هذا مثل قائل قال: مات القوم حتّى كأنّهم نيام!! والصواب أن يقول: نام القوم حتى كأنّهم موتى.
وقريب منه قول زهير:
يخرجن من شربات ماؤها طحل... على الجذوع يخفن الغمّ والغرقا
قَالوا: غلط زُهَيْر فِي توهمه أَن خُرُوج الضفادع من المَاء مَخَافَة الْغم وَالْغَرق، وَلَيْسَ كذلك.
ومن العيب البالغ عدول المادح عن الفضائل النفسية، إلى الفضائل الجسمية، كما قال ابن قيس الرقيّات في عبد الملك بن مروان:
يأتلق التّاج فوق مفرقه... على جبين كأنّه الذّهب
فغضب عبد الملك، وقال: قد قلت في مصعب:
إنما مصعب شهاب من اللّ... هـ تجلّت عن وجهه الظّلماء
فأعطيته المدح بكشف الغمم، وجلاء الظّلم؛ وأعطيتني من المدح ما لا فخر فيه؛ وهو اعتدال التاج فوق جبيني الذي هو كالذّهب في النضارة... إلخ