عادةً تهاجر الطيور وتختفي بحثاً عن مكان ملائم للعيش، حيث الماء والغذاء، وهذا يحدث بطبيعة الحال إن جفت مياه الأرض الجوفية بسبب المناخ القاسي، والطيور بطبيعتها تخاف الجفاف، وهذا ما أدّى إلى اختفاء طيور البابيل الخضراء من إمارة الفجيرة منذ أكثر من عقد، بعد أن كانت تظهر في بداية كل موسم صيف حتى نهايته في عين الغمور بين تدفق مياهها المعدنية الكبريتية الساخنة، وعليه لا يزال الناس هناك يتذكرون تفاؤلهم بها إن ظهرت صباحاً، أو إن رأوها ظهراً يستبشرون بزيادة النشاط والحركة، هذا حسب الاعتقاد، أما رؤيتهم لها ساعة الغروب، فكانت تعني دون شك، نومة هنية.
يقول الباحث علي المغني في كتابه (معتقدات الحيوان في التراث الإماراتي): «طير البابيل أول من استحم بماء الغمور، فانتشرت البركة».
أما قدماء الأهالي في الفجيرة فكانوا يرددون: «البابيل لن يهجرنا، فقد عاهد نفسه بألا يغادر المنطقة إلا بعد أن تجف عين الغمور».
وها هي تجف، وأصعب ما يمكنني قوله الآن، هو اختفاء هذا الطائر الأخضر الجميل، بعد أن استوطن الفجيرة طويلاً ومن قبل انفجار عين الغمور بمياهها الشافية، وعلى الرغم أنها اليوم شبه جافة، لا يزال البعض يزورها لوجود بقايا من مياهها، ولوجود العين بين أشجار السمر والنخيل والأرك، ليشموا ولو قليلاً بقايا رائحة المياه الكبريتية الفائحة من مجرى الوادي.
لكن بعيداً عن فكرة الجفاف والمناخ، لا يزال الأهالي في الجبال بالفجيرة يقولون إن بابيل كان طيراً من طيور الجنة، كلما رأيناه يتحقق حلمنا، وهذا يأخذنا للبحث حول تسمية البابيل إن كان من مسمى البلبل رمز الطهارة والصفاء، أو من طير الأبابيل كما ورد في سورة الفيل، وفي كنف التفاسير يبقى طيراً يفتح جناحيه الخضراوين برفيف من القلب فوق المياه، ويهبط كي يستحم في عين الغمور كآبائه وأجداده.
وبما لا يدع مجالاً للشك، نرى المياه تجف في العيون يوماً بعد يوم، لا حل لنا سوى الريّ، والجهاد بتوصيل المياه إلى جذور النباتات والأشجار هناك، وبالتالي التقليل من الخسائر خلال التبخر كما حصل في عين الغمور التي غمرتنا يوماً بمياهها الشافية وهي تروي الطيور والحيوانات والحشرات، عَلّنَا بالسقي والريّ نستعيد موطناً من فردوس.